شهدت طلبات اللجوء انخفاضاً حاداً في ألمانيا، شأنها في ذلك شأن الجريمة، رغم ذلك، يواجه إمساك ميركل بزمام السلطة خطراً إضافياً بسبب مسألة ترتبط بالهجرة، مسألة أحدثت خضة كبيرة في السياسات في مختلف أنحاء أوروبا وعبر الأطلسي.تصادمت ميركل مع حلفائها السياسيين في الاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا، ويبدو أنها على وشك أن تخسر ائتلافها وقد تتنحى عن السلطة.
في مؤتمر صحافي في برلين، أعلنت ميركل أن حزبها، الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وحليفه القديم، الاتحاد الاجتماعي المسيحي، يريدان كلاهما خفض الهجرة، لكنها أضافت أننا لن نشهد "خطوات تلقائية" إذا تبين أن من الصعب التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، ويعني ذلك أن ألمانيا لن تعمد بمفردها إلى إقفال حدودها أمام بعض المهاجرين، إلا أن هذا يضمن بشكل شبه مؤكد الصدام مع سيهوفر، الذي تعهد قبل أيام بأن ألمانيا ستبدأ بإعادة المهاجرين عند حدودها، إذا أخفق الاتحاد الأوروبي في التوصل إلى اتفاق، فإذا عمدت ميركل كمستشارة إلى عرقلة هذا العمل، لا شك أن سيهوفر سيستقيل، معرضاً حكومة ميركل الائتلافية للانهيار ودافعاً بألمانيا إلى نوع من الفوضى السياسية نجحت حتى اليوم في تفاديه.تتمحور المشكلة حول تنظيمات دابلن التي تحدد طريقة درس الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي طلبات اللجوء. بموجب هذه القواعد، على البلد الذي يدخله المهاجر التعاطي قانونياً مع طلبه، لكن ألمانيا علّقت هذه القاعدة في عام 2015، مرسلةً مئات آلاف طالبي اللجوء إلى حدودها، فانعكس ذلك سلباً على الدول الأوروبية التي ترزح تحت ضغط المهاجرين الذين يعبرون أراضيها في طريقهم إلى ألمانيا.لا تزال الهجرة مسألة مثيرة للجدل في ألمانيا وفي مختلف أجزاء أوروبا مع تأجيج الحرب الأهلية السورية أزمة اللاجئين الأسوأ في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، صحيح أن الغالبية العظمى من اللاجئين تعيش في الدول المجاورة لسورية، إلا أن الأعداد التي دخلت ألمانيا في عام 2015 ارتفعت بعدما أعلنت ميركل سياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين السوريين. في السنة التالية دخل أكثر من مليون لاجئ ألمانيا، معظمهم عبر بافاريا، لكن الحماسة الأولية التي استُقبل بها الوافدون الجدد سرعان ما تحولت إلى غضب وخوف مع ارتفاع الأعداد، فضلاً عن كثرة التقارير الخاطئة أحياناً عن الجرائم، بما فيها الاغتصاب، التي ارتكبها المهاجرون، إلا أن الإحصاءات لا تعكس هذه المخاوف.تُظهر الوقائع تراجع الجريمة وطلبات اللجوء على حد سواء في أوروبا، حتى إن الجريمة عموماً في ألمانيا بلغت أدنى معدلاتها منذ عام 1992، فقد انخفصت بنسبة 10% في عام 2017 مقارنةً بالسنة التي تسبقها، كذلك تراجعت الجرائم التي يرتكبها غير الألمان بنسبة 22% في الفترة عينها، وفق البيانات الرسمية. علاوة على ذلك، شهدت أعداد مَن يطلبون اللجوء في ألمانيا وأوروبا عموماً تراجعاً حاداً، يذكر مكتب طلبات اللجوء في الاتحاد الأوروبي أن طلبات اللجوء انخفضت بنحو النصف في عام 2017 في مختلف أرجاء أوروبا مقارنةً بالسنة السابقة. أما في ألمانيا فقد تراجعت الطلبات أكثر من الثلثين خلال الفترة ذاتها، ولكن رغم هذا الانخفاض، قدّم أكثر من 200 ألف شخص طلبات لجوء إلى ألمانيا في عام 2017، بعدما بلغت الطلبات ذروتها في عام 2015 مع 890 ألف طلب. كذلك لا تزال الأعداد المتكدسة عالية، فينتظر نحو 443640 شخصاً القرار بشأن طلب لجوئهم إلى ألمانيا، علماً أن العدد في كل أوروبا يبلغ 954100.رغم ذلك، من غير المرجح أن ترضي هذه الأرقام الألمان الذين يقرؤون التقارير الإخبارية عن الجرائم التي يرتكبها طالبو اللجوء، مثل الرجل العراقي المتهم باغتصاب وقتل فتاة في الرابعة عشرة من عمرها في ألمانيا الغربية أو مَن يدعون أنهم أعضاء من "داعش"، وينفذون هجمات داخل البلد، كذلك لن تدفعهم على الأرجح البيانات عن تراجع عدد طالبي اللجوء إلى التخلي عن اعتقادهم بأن عملية معالجة ألمانيا طلبات اللجوء تعاني مواضع خلل كبيرة. ولا شك أن فضيحة المكتب الفدرالي للهجرة واللاجئين الألماني، حين أعلن مكتب إقليمي أنه وافق بطريقة غير ملائمة على طلبات لجوء نحو ألف شخص بين عامَي 2013 و2016، هزت ثقة الألمان بالنظام، وعمد سيهوفر إلى طرد رئيس الوكالة قبل أيام بسبب هذه الفضيحة.* كريشناديف كالامور*«أتلانتيك»
مقالات
ميركل في ورطة
21-06-2018