ينتمي توفيق عبد العال إلى الرعيل الأول من الفنانين الفلسطينيين، ويتميز عمله بنكهة خاصة بسبب ثقافته البصرية وحريته التعبيرية. جمع في نتاجه الفني بين الرسم والنحت والتصوير الزيتي. لا تنتمي أعماله إلى مدرسة فنية محددة، بل تختزن تجارب فنية لمدارس متعاقبة، شرقية وغربية.يتوق المعرض ليكون قراءة جديدة في أعمال هذا الفنان المميز من خلال الكشف عن ثنايا عمله وربطها في رحمها الأول، عبر مجموعة من الأفلام التسجيلية لأقربائه وأصدقائه ولمنبع أحلامه وملهمته مدينته العريقة عكا.
انطلاقة باكرة
ولد توفيق عبد العال عام 1938 في حي المجادلة بعكا في بيت قديم من ثلاث طبقات، سقفه مزركش ودرجه عاجي، يطل على البحر. عشق الرسم منذ طفولته الأولى وكان للبحر تأثير قوي في نفسه وفي تكوين شخصيته الفنية. في التاسعة من عمره، أقام معرضه في المدرسة التي كان يرتادها بإشراف أستاذه الرسام جورج فاخوري. كان جده يملك طاحونة وقد برزت هذه الصورة أيضاً في لوحاته في ما بعد. بعد نكبة 1948 انتقل إلى لبنان، حيث عاش حتى وفاته عام 2002. مارس الرسم والتصوير والنحت والتخطيط وتزوج من باكرية الأكحل شقيقة الفنانة تمام الأكحل والنحات أكرم الأكحل. إطلالته الأولى على الجمهور اللبناني والعربي كانت عام 1962 من خلال معرض في مدينة عاليه في جبل لبنان، وفي السنة التالية أقام معرضاً في بلدة برمانا في جبل لبنان أيضاً. بعد ذلك تتالت سلسلة معارضه في لبنان والخارج من بينها: بيروت (1966) حيث عرض 48 لوحة، ليبيا ودمشق (1968)، بغداد (1971) حيث عرض 30 لوحة زيتية، ليبيا ثم دمشق (1980)، بيروت (1982) حيث أقام معرضاً بعنوان «فلسطين في الحلم والألوان». وفي عام 1993 أقام معرضاً في صالة الشعب بدمشق وكرمته نقابة الفنون الجميلة من خلال ندوة حول فنه، وفي عام 1993 أقام معرضاً في مخيم اليرموك. صدر كتاب «توفيق عبد العال - الخط، اللون، التصميم» عام 1980 في بيروت وصدرت طبعته الثانية عن دار ابن رشد بعمان عام 1985، وهو للروائي والقاص علي حسين خلف، الذي كان صديقاً مقرباً لتوفيق عبد العال،دائم القلق
كان توفيق عبد العال فناناً دائم القلق، لهذا تنقل بين الواقعية والرمزية والتعبيرية والسريالية، حول فنه قال في حوار معه: «كنت أرسم بأسلوب انطباعي تجريدي، بدأت مع ألوان طباشير الباستيل، في لبنان بدأت أرسم بالماء والطبشور الملون وتعرفت إلى النحت، ثم انتقلنا إلى بيروت، وبعدها إلى طرابلس ثم عدنا إلى بيروت، وأقمت معارض فردية في اسطنبول وفينيسيا وبلغراد، وقد أقمت حتى الآن 30 معرضاً فردياً».أضاف: «لم أرسم النكبة، بل كنت أرسم انطباعاتي عن فلسطين ولبنان، رسمت الثورة قبل انطلاقة الثورة، رسمت لوحة اسمها «لن يسقط العلم» تمثل فدائياً سقط، وفدائياً آخر يتسلم منه راية الثورة، ولوحات «رقصة السلاح» و»أنشودة شعب» و«معاً إلى فلسطين»، ومع انطلاقة الثورة استبدلت الفدائي بالفارس، وانتقلت من الأسلوب الانطباعي التجريدي إلى الأسلوب السريالي الذي يعتمد على الرمز فأخذت الشمس حيزاً كبيراً في لوحاتي، وكذلك العصفور وكثر الحصان في لوحاتي، وكذلك الديك، وفي هذا الجو أقمت معرضاً في مدينة زاغرب في كرواتيا اليوغسلافية، حيث أحييت أمسية شعرية». حول انتمائه السياسي، أوضح عبد العال: «انتسبت عام 1975 إلى الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وأسسنا قسم الفنون التشكيلية، وكان مسؤولاً عما يصدر عن الجبهة من ملصقات، كذلك نظمنا سلسلة من المعارض في جامعة بيروت العربية والبوريفاج والكارلتون، وافتتح القسم أول صالة فلسطينية للفنون الشعبية».في حوار آخر قال توفيق عبد العال: «استفدت من المدارس الفنية المختلفة، لكنني استخلصت رؤيتي للفن والخط واللون».في عيون النقد
حول معرض توفيق عبد العال الذي أقيم في دمشق عام 1993، كتب الناقد خليل صفية: نجد حضوراً كبيراً للمرأة وهو حضور رمزي، ونرى التعبير باللون مباشرة مع التأكيد على إشراق اللون، أي نسبة النور في اللون. كان الرمز الأساسي عنده هو المرأة فأصبح الحصان، الصبار، السمك، حاملة الجرار، الحمامة، إلى جانب العناصر المستوحاة من الفن الشعبي والحياة اليومية، ثمة غنى وزخم في بحر الألوان، لقد انتقل من الحضور الثوري إلى جمالية روح التراث... أما الناقد أنور الرحبي فرأى أن التعبير باللون عند توفيق عبد العال، وقفة مع شيء موجود وكائن في حياة الفنان ذاته من خلال مشاهداته (مقهى الدلالين) والبحر الأزرق في عكا والصيادين، وتتصاعد المفردة اللونية من الأسفل إلى الأعلى، كما في أعماله «الفارس يسقط واقفاً و»الجياد تساق إلى المقصلة»، فاللون بحد ذاته حركة منفعلة تمر على سطوح المفردات فتضيف عنصر الحركة».