وجهة نظر: الكويت بين صقور «أوبك» وحمائمها
يستقطب اجتماع وزراء "أوبك"، المقرر عقده اليوم الجمعة، وكذلك اجتماعهم غداً مع نظرائهم من خارج المنظمة، اهتماماً استثنائياً بسبب الخلاف الحاد بين أقطاب "أوبك" بشأن مصير الاتفاق الحالي لخفض الإنتاج، والذي كان من المفترض أن يستمر العمل بموجبه حتى نهاية العام الحالي.ويبدو أن الانقسام التقليدي بين صقور "أوبك" وحمائمها قد عاد إلى الواجهة من جديد، حيث تتمسك إيران والعراق وفنزويلا والجزائر باتفاق خفض الإنتاج، بينما تطرح السعودية، وهي أكبر منتجي "أوبك"، مقترحاً بزيادة الإنتاج بمقدار مليون برميل يومياً بدءاً من شهر يوليو المقبل. وتذهب روسيا، وهي أكبر المنتجين خارج "أوبك"، إلى أبعد من ذلك عبر دعوتها لزيادة الإنتاج بمقدار 1.5 مليون برميل يومياً.
حجج الصقور والحمائمويسوق كل فريق حججه ومبرراته، فالداعون إلى التمسك باتفاق خفض الإنتاج يرجحون تضخم كرة الثلج، التي دحرجها الرئيس الأميركي بإعلانه زيادة رسوم واردات بلاده من الصلب والألمنيوم، وقائمة طويلة من السلع الأخرى، الأمر الذي أدى إلى استفزاز الصين وأوروبا، ودفعهما إلى اتخاذ تدابير مماثلة ضد صادرات الولايات المتحدة. ولاشك في أن حرباً تجارية بين الكبار ستؤدي إلى تقويض تعافي الاقتصاد العالمي، ومن ثم إلى انخفاض الطلب على موارد الطاقة، وفي مقدمتها النفط. كما يعبر هؤلاء عن مخاوفهم من تزايد تخمة الإمدادات، مع عودة الزخم إلى صناعة النفط الصخري، واحتمال حدوث زيادة قياسية غير مسبوقة في إنتاج الولايات المتحدة من الخام، ويلوحون أيضاً بما قطعته السيارة الكهربائية من أشواط متقدمة، وبخطط حفر أنفاق للشاحنات البرية في أوروبا تخلصها من حاجتها إلى صعود جبال الألب، وما يترتب على ذلك من انخفاض الطلب على وقود الشاحنات إلى النصف. في الكفة الأخرى، يرجح الداعون إلى زيادة الإنتاج فرص التحسن في معدلات النمو الاقتصادي العالمي، واحتمالات التراجع في إمدادات النفط الخام القادمة من إيران، المهددة بعقوبات اقتصادية أميركية قاسية بدءاً من الربع الأخير للسنة الحالية، أو من مناطق التوتر الساخنة مثل ليبيا، أو البلدان التي تمر بظروف استثنائية مثل فنزويلا، التي تعرض قطاعها النفطي لضغوط هائلة أدت إلى تراجع إنتاجها اليومي إلى أقل من 1.5 مليون برميل. التداعيات من المنظور الزمنيوأياً كانت الكفة الراجحة، فإن البلدان الشديدة الاعتماد على النفط مثل الكويت تقف اليوم، كما وقفت في مرات عديدة سابقة، في حيرة من أمرها، فسياسة معسكر الصقور تفضي إلى دعم أسعار النفط، وتمكن المنتجين من مواجهة أعباء التزاماتهم المالية المتزايدة، والمضي قدماً في الإنفاق على خططهم التنموية، بينما قد توقف سياسة الحمائم التحسن الراهن في أسعار النفط، وتفاقم العجز في الموازنات العامة، وتزيد حاجة المنتجين إلى الائتمان الخارجي. ولكن النتائج والتداعيات المترتبة على هاتين السياستين تختلف باختلاف المنظور الزمني، فما هو في مصلحة الكويت في الأجل القصير قد يتعارض مع ما هو في مصلحتها في الأجل الطويل. ويعيدنا هذا إلى مربع الخلاف التقليدي الآخر بين دول النفط الطويل ودول النفط القصير، إذ من مصلحة دول المجموعة الأولى، أي البلدان التي تتمتع باحتياطيات نفط كبيرة مثل الكويت والسعودية، تجنب الزيادات الحادة في أسعار النفط، لأن من شأن مثل هذه الزيادات أن تشجع على التوسع في إنتاج النفط الصخري، واستخدام موارد الطاقة البديلة، ودعم فرص الاستغناء عن منتجات النفط في قطاع النقل والمواصلات، أي أن استمرار التمسك بخفض الإنتاج لا يتطابق بالضرورة مع مصلحة منتجي النفط الطويل في الأمد البعيد، وان تطابق مع مصالحهم الآنية في الأمد القصير.وخلاصة القول هي إن تكلفة أي قرار تتخذه "أوبك" في اجتماعها اليوم لن تكون متساوية في الزمنين القصير والطويل، ولن تكون متساوية بالنسبة لكل المنتجين، فتكلفة قرار زيادة الإنتاج قد تكون عالية في الزمن القصير، ولكن العائد المتحقق من هكذا قرار سيكون إيجابياً في الأمد البعيد، خصوصاً بالنسبة لمنتجي النفط الطويل، والعكس صحيح بالنسبة لتكلفة الدفاع عن الاتفاق الحالي لخفض الإنتاج.* أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت