عندما تتحول وسائل التواصل الاجتماعي الى جهاز رقابة في مونديال روسيا
يعتبر المشجعون اللاعب الرقم 12 في بطولات كرة القدم نظرا لدورهم في تحفيز اللاعبين. كأس العالم 2018 في روسيا لا تختلف عن غيرها، لكن مع تقدم الأعوام، أصبحت الرقابة على تصرفاتهم تتعدى الكاميرات ورجال الأمن، لتصل الى... وسائل التواصل الاجتماعي.يشكل تنظيم تصرفات المشجعين في البطولات الكبرى هاجسا لأي دولة منظمة. الشغب، الهتافات العنصرية، التحرش الجنسي، التصرفات المسيئة... كلها حوادث تشهدها الملاعب منذ عقود، وبات ضبطها والحد منها الهم الأساسي للدول ولجان المشجعين والسلطات الكروية.في روسيا 2018، بات ثمة عامل "رقابي" اضافي يتعزز دوره تدريجا منذ أعوام، يتمثل بوسائل التواصل التي ينشر فيها الجيد والسيء على السواء.
تشكل مباريات اللعبة الشعبية الأولى عالميا متنفسا للناس لوضع شجونهم اليومية جانبا ولو لساعات معدودة، وبما أن كأس العالم هي الحدث الأهم وتجمع مشجعي 32 دولة من مختلف القارات والثقافات، ليس مستغربا ان تعاني الملاعب من طفرة الحالات الخاطئة.لكن رقابة وسائل التواصل تكشف ما كان المسؤولون يغفلون عنه سابقا.بات يمكن للمرء ان يفقد وظيفته بسبب سلوك مشين في المدرجات، وهذا ما حصل مع موظف في شركة الطيران الكولومبية "أفيانكا"، إذ طرد من العمل بعدما انتشرت صورته وهو يحتسي الكحول في المدرجات خلال المباراة التي خسرها منتخب بلاده أمام كولومبيا (1-2) في سارانسك.الأمر نفسه حصل لمشجع برازيلي اعتقد ان يتذاكى عندما طلب من شابة روسية ترداد كلمات مسيئة دون ان تعلم معناها لكونها لا تتكلم البرتغالية، ما دفع شركة الخطوط الجوية "لاتام" حيث يعمل الى إقالته، مؤكدة رفضها بشدة "لأي نوع من المخالفات أو الممارسات التمييزية".القرار الذي اتخذته الشركة والبيان الصادر عنها يدخلان "بوضوح في منطق توظيف حدث يستقطب اهتماما اعلاميا بهذا الحجم مثل كأس العالم"، وذلك بحسب تحليل جان-كريستوف ألكييه، أخصائي التواصل خلال الأزمات. يضيف لوكالة فرانس برس "هذه الحماسة تبدو لي تقريبا بمثابة +الشمولية المؤسساتية+ التي تتطلب تصرفات نموذجية" من الموظفين، أكانوا في إطار الشركة أو خارجها.من التجاوزات التي سجلت حتى الآن في المونديال الروسي، مضايقة مشجع روسي للصحافية الكولومبية جولييث غونزاليس في قناة "دويتشه فيله" الألمانية الخميس خلال بث مباشر، اذ قام بلمسها والتحرش بها وتقبيلها رغما عنها، قبل ان يقدم اعتذاره في اليوم التالي.يرى لودوفيك لسترولان، أستاذ الأبحاث في العلوم الاجتماعية والرياضة في جامعة كاين نورماندي، أن "المشاركة في هذا الاستعراض الكروي أشبه بلحظة فك الارتباط، تخفيف الضوابط، لحظة نسمح فيها لأنفسنا بكلمات أو حتى سلوك فاحش (...) إنها مسألة معقدة جدا، لأنه من الصعب دائما معرفة مدى إيمانهم بما يقولونه في الملعب، والتزامهم بما يفعلونه هناك".المثل الصارخ متمثل بالأغنيات أو الكلمات المسيئة لمثليي الجنس.في مايو الماضي، تطرقت رابطة "فوت اونسومبل" الفرنسية، المعنية بالتوعية الاجتماعية من خلال كرة القدم، الى استطلاع أجرته شركة "ايبسوس" المتخصصة، اظهر انه رغم اعتبار 40 بالمئة من مشجعي اللعبة بأن الكلمات التي تستخدم لوصف المثليين مهينة، 12 المئة فقط منهم رأوا انها "معادية" للمثليين.في عالم كرة القدم، الكلمات المستخدمة لنعت مثليي الجنس ترتبط بـ"الفولكلور" بحسب ما لاحظت "ايبسوس".بشكل عام، لم تعد المدرجات مسرحا للتصرفات المسيئة بالقدر نفسه الذي كانت عليه سابقا، بحسب ما يؤكد لسترولان، مضيفا "إن هامش المخالفات أصبح أقل بكثير في يومنا هذا"، وان السيف "مسلط فوق رؤوس المشجعين المتشددين أكثر مما كان عليه الوضع قبل 20 أو 30 سنة مضت".وأحيانا تكون عواقب المخالفات وخيمة مثل القرار الاداري بالمنع من دخول الملعب، بحسب بيار ريفييون، رئيس الرابطة الوطنية للمشجعين في فرنسا.يضيف "ما نريده هو أن تبقى المدرجات مساحة للحياة والتعبير".