بطل تشيزَرِه بافيزه في «الرفيق»، شاب من الطبقة البرجوازية محدود الثقافة ولا يحب العمل. فجأة، يجد نفسه في مواجهة مسؤولياته الشخصية. يعيش بابلو، الذي سُمي بهذا الاسم لأنه عازف غيتار، في تورينو، مسقط رأسه، لكنه كان يعاني المشاكل الوجودية في تلك الفترة، بين الحرب الأهلية الإسبانية والحرب العالمية الثانية، وحيث كان النظام الفاشي يواصل فقد سطوته على الشعب، وحتى فقد الخضوع الشعبي له والذي كان صمامه الآمن، يحاول بابلو أن يملأ الفراغ والنقص الآيديولوجي اللذين سببا له الضياع والقلق. يغادر مدينته تورينو ويلجأ إلى روما، فيجد لنفسه هناك، وسط الفوضى العارمة، سبيلًا للعيش، ليتمكن بعدها من العودة إلى مدينته، وقد عقد العزم على إنجاز أمر ما.يرى الروائي الإيطالي في روايته هذه أنها إحدى أكثر الروايات تأثيراً في نفسه، وصرّح بذلك في مذكراته «مهنة العيش» الصادرة عن دار «المدى»، حين تحدث عنها، فقال: «8 أكتوبر 1948، أعدت قراءة جزء من «الرفيق». أحدث فيّ ما تُحْدِثه لمسة سلك كهربائي. ثمة توتر جنوني وغير طبيعي، واندفاع مجهض باستمرار، كنَفسٍ لاهث».
ترجم الرواية عن اللغة الإيطالية السينمائي والصحافي العراقي «عرفان رشيد»، المقيم في إيطاليا منذ عام 1978، والحائز جائزة إسكيا 2004 (أكبر وأهم جائزة إيطالية في الصحافة).
في سطور
ولد الروائي والشاعر والمترجم تشيزَرِه بافيزه عام 1908. اشتغل بعد تخرجه في كلية الآداب بالتدريس لفترة قصيرة. كتب الشعر والقصة القصيرة وترجم الأدب الأميركي لصالح دار النشر «إيناودي»، الذي أصبح أحد أعمدتها لاحقاً، وترجم لها كثيراً من الكتاب الأميركيين غير المعروفين إلى الإيطالية.أعتقل عام 1935 بتهمة النشاط المعادي للفاشية وقضى عاماً في المعتقل. وفي عام 1946 انضم إلى الحزب الشيوعي. بعد الحرب تفرغ تماماً للنشاط الأدبي ونشر روايات ومقالات أدبية حول علاقة الأدب والمجتمع. ونال تقديراً واسعاً من جمهور النقاد والقراء الإيطاليين.حصل بافيزه على جائزة «ستريغا» (أعرق وأرقى الجوائز الأدبية الإيطالية) عن ثلاثيته الروائية «الصيف الجميل» (صادرة عن منشورات المتوسط 2017). وفي ذروة نشاطه ونجاحه، وبعد حصوله على الجائزة، وجد ميتاً في غرفة فندق في مدينة تورينو مع زجاجة حبوب منومة فارغة وذلك عام 1950.من الرواية
عدتُ إلى البيت مساءً، وما يزال عبق البحر عالقاً بشَفَتَيّ. الآن فقط أعرف لماذا يملأ الناسُ في روما الشوارعَ، وتعلو البسمةُ وجوهَهم، وليس ذلك ديدن الأغنياء فحسب، بل هو ما يفعله الجميع. كان يكفيهم الصعود إلى سطوح منازلهم، ليشاهدوا البحر على مرمى خطوات منهم. حتّى الفقراء والمعدمون كانوا يتحسّسون البحر عبر نوافذهم وشُرفات منازلهم. عمّال بناء، فتيات، أطفال، شغّيلة، وناس بُسطاء مُتعبون، كانوا يخرجون إلى الشوارع، ويتخاطبون بأصوات عالية، ويضحكون. في إحدى الصباحات، مررتُ بالقرب من بعض الفاشيِّيْن، حتّى هم كانوا باسمين، كانوا عائدين من تظاهرة سياسية وهم يُنشدون، ويضحكون.