لم يعد خافياً ما ترمي إليه صفقة القرن، فكل ما تسرب من معالمها يشير إلى أنها مطابقة لنوايا حكومة نتنياهو في تصفية عناصر القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، بتكريس ضم وتهويد القدس، وإلغاء حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، وتحويل فكرة الدولة الفلسطينية إلى مجرد سجن محاصر في قطاع غزة، وغتيوات مجزأة على أقل من ثلث الضفة الغربية، وبما يفتح الباب لضم المستوطنات و62% من الضفة الغربية لإسرائيل، مع بقاء الأراضي المحتلة تحت الهيمنة العسكرية والأمنية والاقتصادية الإسرائيلية. إنها وصفة لاستمرار الاحتلال، وإنشاء بنيان دولة واحدة بنظام أبارتهايد عنصري ضد الشعب الفلسطيني، وهدفها المركزي تطبيع العلاقات بين دول المنطقة وإسرائيل المحتلة والعنصرية، على حساب الشعب الفلسطيني، وبهدف تصفية قضيته الوطنية.
لكن هناك عناصر أخرى لخطة صفقة القرن يجب التنبه لها، ففي ظل تعثر محاولات التطبيع بسبب المعارضة الفلسطينية لإدارة ترامب وصفقته، ستنصب الجهود والضغوط بكل أنواعها على السلطة الفلسطينية لدفعها للقبول بالبدء بدورة مفاوضات جديدة.وسيُقال للفلسطينيين باستطاعتكم أن تطرحوا ما تشاؤون من مواقف ولكن تعالوا إلى طاولة المفاوضات حتى لا تبدوا أمام المجتمع الدولي رافضين للسلام، وسيُرفع شعار "المفاوضات بدون شروط مسبقة" لضمان استمرار التوسع الاستيطاني، وتدفق القوانين العنصرية، وعمليات تغيير الأمر الواقع على الأرض لمصلحة الضم والتهويد الإسرائيلي. ما تحتاجه الإدارة الأميركية هو وجود طرف فلسطيني على طاولة المفاوضات بما يمنح الغطاء لأمرين: التوسع الاستيطاني والتهويد أولا، والتطبيع بين الدول العربية وإسرائيل ثانيا. وكالعادة ستسعى إسرائيل وحلفاؤها إلى استمرار المفاوضات لعقود دون نتيجة سوى تمرير التطبيع والتهويد، وبالتوازي مع ذلك ستستمر محاولات استغلال معاناة قطاع غزة والانقسام الفلسطيني لاختراق الجبهة الفلسطينية بتطوير خطة اقتصادية تتفرد بقطاع غزة، وبمعزل عن المؤسسات الفلسطينية، مع تكرار الادعاءات والأوهام الكاذبة التي سمعناها سابقا بعد توقيع اتفاق أوسلو عن تحويل غزة إلى سنغافورة جديدة، والهدف المركزي لكل ذلك تكريس فصل غزة عن الضفة الغربية والقدس وعن سائر فلسطين، والترويج لفكرة دويلة غزة التي لن تكون سوى سجن محاصر ومحكوم بإرادة دولة الاحتلال.لم يعش جيلنا مأساة النكبة عام 1948، لكننا تعلمنا في صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية أن أحد أهم أسباب نجاح الحركة الصهيونية في تمرير الاستيطان ومن ثم النكبة، كان ضعف القيادة الفلسطينية والانقسامات التي عششت في صفوفها، وأتقن الاستعمار البريطاني ومن ثم الحركة الصهيونية استغلالها. لذلك، وإذا أردنا أن نمنع نكبة جديدة اسمها "صفقة القرن" قد تكون آثارها أسوأ من نتائج نكبة عام 1948، فإن علينا أن نجد بسرعة الوسيلة لإنهاء الانقسام الذي ينخر صفوفنا منذ أحد عشر عاما، ويتفاقم كل يوم بخلق انقسامات فرعية جديدة. لا سبيل أمامنا للنجاح سوى إنهاء الانقسام وإعادة بناء قيادة وطنية موحدة، في إطار الممثل الشرعي المعترف به، منظمة التحرير الفلسطينية، ولا سبيل لضمان المشاركة الشعبية الفاعلة في التصدي لصفقة القرن، إلا بإعطاء الشعب حقه المشروع في الانتخابات الديمقراطية الحرة، الرئاسية والتشريعية وللمجلس الوطني الفلسطيني. * الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية
مقالات
الوحدة أساس التصدي لصفقة القرن
24-06-2018