عاد ترامب إلى الترويج لفكرة عقد قمة مع بوتين، فما زال ترامب يعتقد على ما يبدو أن ثمة صفقة كبرى يمكنه عقدها مع روسيا، لكن هذه الصفقة الكبرى ما هي إلا وهم كبير.لا يمكن تخطي الخلافات الأساسية بسهولة، ومن المستحيل التوصل إلى تحسّن مستدام بالاكتفاء بالتغاضي عن هذه الخلافات أو بالتخلي عن دول ذات سيادة مثل أوكرانيا، كما فعل ترامب على ما يبدو خلال قمة مجموعة الدول السبع الأخيرة.
لا شك أن روسيا بقيادة بوتين، بضمها القرم بطريقة غير مشروعة، وشنها حرباً غير معلنة على شرق أوكرانيا، واحتلالها مناطق كبيرة من جورجيا ومولدوفا، مزقت كتاب القواعد الدولي وأثبتت بحزم أنها قوة رجعية، مقوّضة أسس التعاون في مجال الأمن الأوروبي. وفي سورية لم يسعَ بوتين إلى محاربة "داعش" بل إلى دعم نظام الأسد ومنح إيران مكانة استراتيجية. أما في مسألة الحد من انتشار الأسلحة فقد انسحب بوتين من بعض الاتفاقات وانتهك بعضها الآخر بشكل فادح، منها معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى لعام 1987، كذلك حاول باستمرار التدخل في الانتخابات الغربية وزعزعة مصداقية مؤسساتنا الديمقراطية، فضلاً عن حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.باختصار، حدد بوتين أن مصالح روسيا تتعارض مع مصالح الغرب، ولا يرغب بالتأكيد في التوصل إلى تسوية في المسائل التي تهمنا. تخشى موسكو امتداد الأفكار والقيم الغربية وإمكان تلويثها روسيا نفسها وتقويضها النظام في النهاية، ونتيجة لذلك سيواصل بوتين وماكينته الدعائية الترويج لرواية أن روسيا تخضع للحصار وأنها تواجه غرباً عدائياً يكره الروس ويريد إضعاف روسيا بدل احترامها كقوة عظمى.ستستمر ذهنية الحصار هذه في المستقبل القريب، وفي ظل ظروف مماثلة علينا أن نتخلى عن وهم عقد صفقة كبرى مع بوتيو ونتحلى بدلاً من ذلك بالصبر الاستراتيجي، ولعل أفضل ما نستطيع فعله على الأمد المنظور ضبط المنافسة والحد من خطر نشوب صراع مباشر سواء من خلال الردع القوي أو باستخدام أدوات الحرب الباردة، مثل الحد من انتشار الأسلحة والشفافية العسكرية.لكن الصبر الاستراتيجي لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي. على العكس من الضروري أن نواصل الدفاع عن قيمنا ودعم ما تبقى من المجتمع المدني في روسيا، كذلك علينا أن نخوض حواراً مع الحكومة الروسية ونحاول التعاون معها في بعض المواضيع حيث تلتقي مصالحنا، مثل مسألة كوريا الشمالية، فضلاً عن ذلك يجب أن نستمر في السعي إلى بلوغ الحلول في مسائل مثل شرق أوكرانيا.ولكن في معظم المسائل الأخرى، ينبغي أن نتقبل فكرة أن تكون روسيا أكثر ميلاً إلى تأدية دور المخرّب، ساعيةً إلى تقليص النفوذ الأميركي بدل محاولة التوصل إلى حلول يكون الجميع فيها رابحين، وقد نضطر إلى الانتظار ريثما يخرج بوتين من المشهد الروسي قبل أن نشهد تغييراً حقيقياً نحو الأفضل في علاقاتنا مع موسكو.ولكن ما نوع التدابير التي قد نتفق عليها؟ كي نحدّ من خطر نشوب صراع عسكري عرضي، يمكننا السعي للتوصل مع موسكو إلى تفاهم يقضي بخفض حجم التدريبات العسكرية في أوروبا وتعزيز الاتفاقات القائمة بشأن الإخطار المسبق ومراقبة التدريبات، وقد نقترح أيضاً تعميق التعاون العسكري-العسكري بين حلف شمال الأطلسي وروسيا وتوسيع عملية تبادل المعلومات بشأن التهديدات الإرهابية، كذلك نستطيع طرح فكرة تنظيم زيارات إلى منشآت عسكرية أميركية وروسية بغية إجراء عمليات تفتيش على الأرض تبدد مخاوف كل طرف بشأن عدم التزام الطرف الآخر بمعاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى قبل أن ينهار هذا الاتفاق التاريخي، ولمَ لا ندعو إلى خفض متبادل في الهجمات التي تُنفَّذ عبر الإنترنت ضد بنى تحتية وآليات انتخابية مهمة من دون أن نتوقع من روسيا بالتأكيد أن تقر بما قامت به حين تدخلت في انتخابات عام 2016؟ صحيح أن الاتفاق على خطوات مماثلة لا يبدّل العلاقة، إلا أنه يوقف انحدارها السريع ويتيح المجال أمام معالجة مسائل أكثر صعوبة، مثل انسحاب روسيا من شرق أوكرانيا، ربما لا يتلاءم الاستعداد بدقة لقمة بهذه الطريقة مع حدس ترامب، غير أن النتائج ستكون أكثر أهمية بكثير مما حققه في سنغافورة.* ألكسندر فيرشبو* «واشنطن بوست»
مقالات
«صفقة ترامب الكبرى» مع روسيا وهم
24-06-2018