رياح وأوتاد: بوش المسكين ومتحف قوم لوط في البيرو
المهمات الرسمية فرصة جيدة جدا لمن يريد الاستفادة والعلم والاطلاع على تجارب الدول الأخرى وقوانينها وحضارتها وتاريخها، خصوصاً الدول المتقدمة علمياً واقتصادياً، فعلى الأعضاء استغلال هذه الزيارات ليرتقوا بالطرح البرلماني الكويتي وتطويره إلى الأفضل، ويتوقفوا عن طرح الاقتراحات الشعبوية التي تعوق التنمية والتقدم.
ترجع بي الذاكرة أحياناً إلى تلك الزيارات التي قمنا بها كوفود برلمانية إلى مختلف الدول الصديقة، ومن هذه الزيارات تلك التي قام بها وفد كبير برئاسة الأخ أحمد السعدون رئيس المجلس ومعه جاسم الصقر وحمد الجوعان، رحمهما الله، ومحمد المرشد وإسماعيل الشطي وخلف دميثير وكاتب هذه السطور وآخرون لزيارة الكونغرس الأميركي والرئيس بوش والبرلمانين الروسي والكندي، وكان هدف الزيارة هو شكر هذه الدول على موقفها الكبير ومساهمتها في تحرير الكويت، ومن المعروف أن كل المصروفات في هذه الزيارة مثل غيرها كانت على حسابنا مثل الإقامة والوجبات والتنقلات، في حين يتكفل مجلس الأمة الكويتي بكل هذه المصاريف لضيوفنا من البرلمانات الصديقة. (الكويت كريمة). وفي أثناء لقائنا مع بوب دول زعيم الأغلبية في الكونغرس ومرشح الرئاسة قمت بصفتي أمين سر المجلس بتقديم هدية رمزية كعادتنا في كل لقاء، وهي عبارة عن مجسم صغير لبوم كويتي، فإذا بدول يبادرنا بالقول: ستورطوني مع لجنة القيم بسبب هذه الهدية الثمينة، فبينت له أنها هدية رمزية وليست باهضة الثمن كما يعتقد، وعلمنا بعدها أن القوانين تمنع أعضاء الكونغرس قبول الهدايا ما عدا الرمزية منها. وفي بيت بوش الأب في تكساس لم تتسع غرفة المعيشة لجلوس كل أعضاء الوفد، ففي حين جلس بَعضُنَا على الكنب جلس آخرون على متكأ الكنبة وظل الباقون وقوفاً، وهمس بعض الإخوة: مسكين بوش الأب ما عنده ديوانية يستقبل فيها عددا يزيد على سبعة أو تسعة أشخاص!
وعلى ذكر التكاليف كنّا أحياناً نقوم بدعوة أعضاء في البرلمانات التي نزورها على الغداء أو العشاء لتكون فرصة للاجتماع والمباحثات معهم، وأذكر اجتماعنا مع رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان الألماني في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، وكانت على طعام الإفطار في الصباح الباكر نظراً لكثرة انشغاله، وكان بالفعل عقلية اقتصادية فذة، ناقشنا معه في حديث مفيد وصريح الاقتصاد والصناعة الألمانية والتركيبة السكانية وتأثيرها على المصانع وسوق العمل والضرائب. كما قمت بزيارة أخرى بدعوة بعض أعضاء مجلس العموم البريطاني على الغداء في القاعة المخصصة للوجبات داخل البرلمان والمطلة على نهر التايمز برفقة السيدة ميتلاند واللورد مالوي، وهما من أشد المؤيدين لقضية الأسرى الكويتيين، وهي القضية التي كنت أترأس لجنتها في المجلس في ذلك الوقت. ومن أجمل ذكريات المهمات الرسمية ذكرى المهمة التي قمت بها مع وفد كبير من القضاء والعدل والداخلية والخارجية، وهي التي خصصت للتوقيع على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد في مدينة مريدا في المكسيك، حيث حضرت معظم دول العالم بمستوى رؤسائها أو رؤساء وزاراتها وبعض الدول مثلها وزير العدل وهي الحقيبة التي كنت أحملها في ذلك الوقت، وتم التوقيع في احتفال مهيب على هذه الاتفاقية المهمة التي شارك في إعدادها شباب كويتيون وتم التصديق عليها من قبل مجلس الأمة فيما بعد. ثم قمت بعدها بدعوة الوفد لزيارة أهرامات تشي تشي نتزا الشهيرة بجانب مدينة مريدا، حيث قمنا بتسلق الهرم الكبير الذي يطل على مدينة المايا وهُم سكان أميركا الجنوبية الأصليون قبل دخول المستعمر الإسباني، وهذا الهرم هو أعجوبة هندسية وفلكية، فلو جمعت درجات جهاته الأربع مع الدرجة العلوية الأخيرة لحصلت على عدد أيّام السنة، أما جوانبه فتشير في الوقت نفسه للأبراج الفلكية المعروفة في أيامنا هذه، رغم أنه قد بني قبل أكثر من ألف عام. وتسلق هذا الهرم ذكرني بالجبل أو التل الصناعي التذكاري الذي بناه الحلفاء في موقع معركة واترلو في بلجيكا بعد هزيمة نابليون الأخيرة، وهو تل صناعي جميل ومهيب يحكي في داخله بانوراما المعركة التي غيرت التاريخ الأوروبي، وبعد زيارتنا واطلاعنا على متحف المعركة قمنا بالتسابق مع الإخوة مبارك الدويلة وخالد العدوة من يصل إلى القمة أولاً. أثناء زياراتنا البرلمانية تحرص كثير من الدول على أخذنا لمشاهدة متاحفها، فزرنا ولله الحمد متاحف كثيرة مملوءة بالعلم والتاريخ، ولكن أغرب هذه المتاحف على الإطلاق هو المتحف الجنسي عند قدماء سكان البيرو في العاصمة ليما، حيث أصابتنا الدهشة عند رؤية مئات التماثيل مختلفة الأحجام التي توضح سكان إحدى المدن القديمة، وهم يفعلون فعل قوم لوط، وقال دليل الآثار المرافق لنا إن الإسبان عندما اكتشفوا هذه المدينة لم يجدوا فيها أحداً إلا بقايا المساكن وهذه التماثيل، ويبدو أن جميع من كان فيها قد مات منذ قرون، ويعتقد المؤرخون البيروفيون أن أمراضاً خطيرة أصابتهم فأبادتهم، خصوصاً أن بعض التماثيل كانت تبين ظهور بثور قبيحة وأورام كبيرة على أجساد هذه التماثيل، وهنا تدخلت قائلا لخبير الآثار المرافق إن العلاقة بين فعلهم القبيح الذي صوروه بأنفسهم في هذه التماثيل ومرضهم وفنائهم واضحة ومحفوظة للعظة والعبرة، تماماً كما حفظت الكتب السماوية قصة هلاك قوم لوط الذين فنوا وهلكوا نتيجة فعلهم الذي يخالف العقل والعلم والفطرة، فهل يعتبر العلمانيون الذين اتخذوا هواهم إلهاً من دون الله؟ الخلاصة أن المهمات الرسمية فرصة جيدة جدا لمن يريد الاستفادة والعلم والاطلاع على تجارب الدول الأخرى وقوانينها وحضارتها وتاريخها، خصوصاً الدول المتقدمة علمياً واقتصادياً، فعلى الأعضاء استغلال هذه الزيارات ليرتقوا بالطرح البرلماني الكويتي وتطويره إلى الأفضل، ويتوقفوا عن طرح الاقتراحات الشعبوية التي تعوق التنمية والتقدم. والله الموفق.
خلال زياراتنا البرلمانية تحرص كثير من الدول على أخذنا لمشاهدة متاحفها فزرنا متاحف كثيرة مملوءة بالعلم والتاريخ