رياح التغيير الاجتماعي والخليج
![د. عبدالحميد الأنصاري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1555928789945225900/1555928807000/1280x960.jpg)
ويختم القرآن في أعقاب تلك التغييرات العاصفة دائماً، بآية بالغة الدلالة على ما ذكرنا من حتمية التغييرات رغماً عن المجتمعات، يقول المولى تعالى "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ". هذه الآية تعبر بدقة عما يعتمل في بنية الأعماق البعيدة للمجتمعات من تغييرات خفية تتراكم بمرور الزمن، فتحدث تغييرات نوعية مفاجئة، تنقل المجتمعات من وضعية اعتادت عليها إلى وضعية مغايرة، من شأنها إنصاف من حرم من حقوقه، وما رسالة الأنبياء والرسل والمصلحين في النهاية، إلا تغيير المجتمعات لتكون أكثر إنصافاً للمظلوم واليتيم والفقير والضعيف والمهمش. التغيير الاجتماعي المتعلق بالمرأة هو الأصعب في دنيا العرب، تغيرت وضعية المرأة العربية في المجتمعات العربية الحضارية المركزية: مصر، سورية، العراق، منذ زمن مبكّر، وبقيت الأوضاع الاجتماعية في معظم الدول الخليجية تقاوم التغيير، تغيرت أمور كثيرة في الخليج، إلا ما يمس وضعية المرأة وحريتها الاجتماعية، عانت المرأة في مجتمعاتنا العربية قروناً متطاولة، من الظلمات: ظلمة الجهالة، وظلمة الدونية، وظلمة اللامساواة وانتقاص الحقوق وسوء المعاملة، وكان دعاة الإصلاح والتغيير يجاهدون في سبيل إنصافها، ورفع الظلم عنها، لكن مجتمعاتنا الأسيرة للتقاليد والعادات والموروثات الراسخة في بنيتها، أدارت ظهرها لتلك الدعوات، واتهمت المصلحين باطلاً، فلم تفلح الجهود في تغيير الأوضاع الاجتماعية إلا قليلاً، وهكذا كان تدخل القيادات السياسية المؤمنة بإنصاف المرأة، أمراً ملحاً ومثمراً، لتغيير القناعات المجتمعية وإحداث التغيير المنشود، وهو ما حصل في كل التغييرات التي أدت إلى حصول المرأة العربية على حقوقها، في المجتمعات العربية عامة، على امتداد أكثر من قرن في مسيرة المرأة العربية ونضالها لنيل حقوقها المشروعة. ختاماً: المجتمعات الذكية هي التي تسارع لأخذ زمام المبادرة، وقيادة التغيير، وتطوير تشريعاتها بما ينصف مواطنيها، قبل أن يفرض عليها من الخارج، الواقع الاجتماعي الخليجي أفرز وصول المرأة الخليجية اليوم، إلى مواقع صنع القرار، لكن التشريعات الاجتماعية المتعلقة بالأسرة، لا تواكب التحولات المجتمعية المتسارعة، هناك فجوة تشريعية واسعة بين حركة المرأة العربية والخليجية وجمود التشريعات، والمطلوب اليوم إعادة النظر في هذه التشريعات ومراجعتها طبقاً للتحولات المتسارعة، وتفعيلها بما يتوافق وحقوق الإنسان والمواثيق الدولية التي صادقت عليها دولنا.* كاتب قطري