في الثالث والعشرين من فبراير سنة 1953 بعث المعتمد السياسي البريطاني في الكويت سي جي بلي، إلى الشيخ عبدالله السالم رسالة مهمة وتاريخية، تم فيها رسم مستقبل الاستثمار الكويتي الخارجي. الرسالة كانت رداً على مذكرة كان الشيخ قد بعث بها إليه، من ضمنها ملاحق فنية، بمثابة اتفاقية، ملخصاً فيها شروطه ومطالبه للموافقة على استثمار الفوائض النفطية. كانت تلك الرسالة خلاصة قرابة السنة من المفاوضات والإلحاح البريطاني للبدء في الاستثمار، وبالمقابل إصرار الشيخ على المبدأ والتفاصيل. جاء الرد البريطاني إلى الشيخ كالتالي بالنص: "لقد تسلمت رسالتكم التي أبلغتموني فيها عن الترتيبات التي ترغبون فيها لاستثمار فوائض دخل دولتكم والتي لا تحتاجونها لمصروفاتكم الحالية. ولقد وجهتني حكومة صاحبة الجلالة للتأكيد على أن الترتيبات التي ذكرتموها في رسالتكم هي إجراءات مقبولة ومرضية لتحقيق الهدف المراد بلوغه. كذلك فقد وجهتني حكومة صاحبة الجلالة للتأكيد على أن أي دخل ينتج عن استثمارات الاسترليني التي يديرها مجلس الاستثمار نيابة عن فخامتكم لن تكون خاضعة لأي أشكال ضريبية في المملكة المتحدة. بالإضافة إلى ذلك فإن ضريبة التركات المطبقة في بريطانيا العظمى لن يتم تطبيقها على أي محافظ واستثمارات موجودة في بريطانيا، والتي تعود ملكيتها لدولة فخامتكم".
بالإضافة إلى أهمية تلك الرسالة وتاريخيتها بالنسبة إلى الكويت، فإنها كانت مهمة لبريطانيا أيضاً، فقد كانت من أولى الرسائل التي تذكر "حكومة صاحبة الجلالة"، حيث تولت الملكة اليزابيث الثانية العرش البريطاني في 6 فبراير 1953 بعد وفاة والدها الملك جورج، ولكن لذلك الأمر حكاية أخرى.كانت تلك الرسالة خاتمة لمفاوضات مضنية وطويلة استمرت منذ فبراير 1952، وانتهت بعد سنة كاملة بين طاقم فني مالي بريطاني من جهة، وبين الشيخ عبدالله السالم، حيث يبدو أنه قد كسب الجولة، وفرض على بريطانيا شروطه. كانت الرسالة البريطانية، كما طلبها الشيخ، واضحة المعالم، لا لبس فيها، ولا غموض، ولا احتمال لأكثر من تفسير. ويعود السبب في ذلك إلى أن مطالب الشيخ كانت مكتوبة وواضحة ومحددة، وهي بمثابة اتفاقية مفصلة، بمذكرة وملاحق، تم التعامل فيها ومن خلالها مع الكويت كدولة مستقلة حتى قبل استقلالها الرسمي بتسع سنين، وهي وثيقة لم يشر إليها عادة في مسوغات استقلال الكويت، رسالة الشيخ التفصيلية سنتطرق لها في المقالة القادمة التي ستكون نهاية هذه السلسلة. فهي التي تم بموجبها وعلى أساسها إنشاء مكتب الاستثمار الكويتي بلندن، والأهم من ذلك إنشاء مجلس الاستثمار الكويتي في 23 فبراير 1953.
أخر كلام
زمن عبدالله السالم 10 وأخيراً الرضوخ لشروط الشيخ للاستثمار
25-06-2018