في كلمة افتتحت بها احتفال تكريم الأديب السوداني أمير تاج السر في الرابطة الثقافية في طرابلس بلبنان، اعتبرت الكاتبة ضحى الملّ أن «الاحتفال بهذا الأديب الكبير يضعنا أمام مستوى حضارة الكلمة في السودان الحبيب، ويقدم لنا تصوراً عن بيئة وواقع لم نعرفه أو حتى سُمع به».

أضافت: «كان أديبنا أمير تاج السر رسولاً لعالم عاشه وعبّر عنه بأسلوبه المتميز في السرد».

Ad

رحلة روائية

شرحت دكتورة وفاء شعراني في كلمتها رحلة الأديب أمير تاج السرّ الروائية وأهميتها بالنسبة إلى الرواية العربية، موضحة أنه صاحب كتلةٍ روائية تضم في رواسيها مجموعة هائلة من صنوف البشر، تمتطي مراكب يجرها بحارون يحلمون يقرأون ويكتبون، تحفر أقدامهم رمال وكثبان وهضاب المدن وتترك بصماتها في مجرى وادي النيل.

وأشارت إلى أن الكتابة عن أعمال تاج السر تفرض أولاً حيازة استعدادٍ تام غير منقوص لاستبدال ماضي السرد العربي بالحاضر الحي، لرفع الحجاب عن السرد المعاصر، وقدرة على التقاط تلك الإشارة الكافية الوافية للتعبير عن ماهية مكونات العلاقة بين الرواية عنده ورؤيته الحياة والعالم.

أضافت: «إنه دون كيشوتي، لا يستقر على موقعٍ من مواقع الراوي، ولكنه لا يقع في التناقض، واقعي يروي قصص قرونٍ مضت ولا يؤرّخ، يستجلب أساطير فلا يتركها هائمة عن الواقع، يرابط لها معقولةً في أعمق درجات الوعي، لا تفارق الحواس ومتأهبٌ لها ليرفع ألغازها باتجاه العقل الذي كان يستحوذ على النظر، فيغدو سحراً».

تابعت: «في كل لقاءٍ مع أمير تاج السر ترهقه الأسئلة، عن جغرافيا السودان وتاريخه، وهو لا ينفك ملتصقاً في ذاك المكان، رغم المغادرة، فتكون الإجابة سجلاّت سحر، يزركش الماء، يكتب رسائل العشق المستحيل، يغرق في سحر العيون والجمال، يضيف بذلك السرد في رواية «جزء مؤلم من حكاية» صنوفاً جديدة على المساحات الصامتة المحيطة، تعبر عن نظرة الراوي ومن خلفه الكاتب الضمني على انفتاح ٍمخفٍ نقدي حداثي، للمواطنة في الدولة/ الأمة الحديثة، من دون أدنى شك».

روائي وجودي

استهلت د. هلا الحلبي كلمتها التي حللت فيها رواية «جزء مؤلم من حكاية» بجملة أسئلة من بينها: «ما هي مهمّة الأديب؟ أهي في رواية الأمور كما وقعت فعلاً؟ أم في رواية ما يمكن أن يقع وفق المفهوم الأرسطيّ؟ وإثارة التأمّل واستقراء الحقائق في تقاطع متأزّم تمهيداً لقلب مفاهيم أصبحت بالية؟ إذ يضعها موضع الشكّ لتصدمنا مجريات الأحداث الروائيّة ونصطدم بشخصيّاتها، وهدفه إزالة الغبش عن أعيننا ونفض ركام العادة المألوفة والمتراكمة عبر السنين».

في معرض تحليلها الرواية أوضحت الحلبي: «ضمن هذا المنظور نرى الموت يضجّ في أرجاء رواية «جزء مؤلم من حكاية» لأمير تاج السرّ من السطر الأوّل حتّى الأخير فيها، فالبطل «مرحلي» ليس قاتلاً محترفاً كما قد يُرى بل هو سارقُ أرواح، يشبه عزرائيل، وخلفه ظلٌّ آمر أكثر شراسةً منه «ديباج»، وهو الآمر بنهب الأرواح كما الإله. فمهمّة الأوّل تنفيذ حرفيّ لأوامر الثاني من غير سؤالٍ أو استفسار، وكأنّ هاتين الشخصيّتين في لامبلاتهما وعنفهما غير المبرّر صورة عن الإنسان الوجوديّ الذي يقتل ليثبت أنّه موجود، لذلك يدخلان معاً في لعبة خطرة غير مسوّغة عاطفيّاً أو مادّيّاً، ثم لتتعدّل الجرائم وتصبح كلّها كما أطلس حامل السماء على كاهل المنفّذ المأمور ومسؤولاً عنها، ويعاقب عليها لاحقاً، لا على كاهل الآمر المسؤول والمدبّر والمخطّط».

أضافت: «هذا ما يذكّرنا بنجيب محفوظ في «أولاد حارتنا» التي أثارت حفيظة كثيرين حين نشرها وكادت تودي به، قبل أن يُعترف بها ويقرّ بفنّيّتها». اعتبرت أنّ الرواية الوجوديّة عبّدت طريقها إلى القصّ العربيّ الحديث مع الكاتب أمير تاج السرّ بعدما جاءت لتصور الواقع السودانيّ المؤمن بالسحر وقدرة التمائم العجائبيّة والمتحرّكَ وفق إيقاع قديمه، ولكن ضمن مفاهيم فلسفيّة وامضة أبرزها: الإنسان، والزواج، والحب، والحياة، والموت، والصداقة، والمجتمع، والحزن، والشرّ، والرعب، والمال، والضوء، والوقت، والمرأة، والملابس، والأفكار، والقتل، وعالم الليل، والتميمة، والأسطورة.

تابعت: «بهذه النقاط ارتفع أمير تاج السرّ بالرواية من فرديّة المجتمع السودانيّ وأسطوريّة إيمانه ليبدو وكأنّه مسكون بهاجس الثورة على المفاهيم البالية وحريصٌ على انتشاله من سباته نحو عالميّة الفجيعة الإنسانيّة عبر استبطان وقائيّ لمفاهيم كثيرة، بعيداً من ضوضاء المواقف الحياتيّة المستجدّة التي تكبّل الفرد ليودي به نحو اللحظة الأزليّة الوامضة، ويحاول الإجابة عن الأسئلة الوجوديّة المحيّرة: لماذا خلق الإنسان؟ وكيف يعاقب على شرٍّ مزروعٍ فيه؟».

درع تكريمية

في ختام الاحتفال ألقى الروائي أمير تاج السرّ كلمة اعتبر فيها طرابلس بحق مدينة العلم والعلماء ودار حوار بينه وبين الحضور حول أعماله الأدبية. ثم قدمت له الفنانة التشكيلية الفلسطينية تغريد عبد العال رسماً من وحي روايته الجديدة وقدم له رئيس الرابطة الثقافية رامز الفري درعا تقديرية.