لم تعد الرياضة ملهاة بريئة، ولم تكن كذلك ذات يوم. الرياضة التي كان الغرض منها التنافس وبناء الجسد وتهذيب الروح حولت الإنسان إلى عسكري ينصاع لأوامر قاسية والتزامات وحشية وتدريبات مرهقة ليس بالضرورة يعشقها أو يرغب في ممارستها. يتعرض الرياضي المؤسسي اليوم لما يشبه العبودية التي تسلبه حريته لزمن محدد قد يستغرق أغلب أيام شبابه وأجملها تحت ذرائع كثيرة أكثرها قسوة عليه حين ترتبط بمفهوم الوطنية والدفاع عن الوطن ورفعته تماما كما يفعل الجندي في ساحات الحرب.أغلب الألعاب الرياضية تخضع اليوم للمراهنات المادية والتي تحوّل القائمين عليها إلى سلعة أكثر من كونهم رياضيين. لم يكن ذلك اختراعا غربيا أو معاصرا، فنحن العرب أول من حوّل الرياضة من مسابقة رياضية لمعركة دامت أربعين سنة بين قبيلتين يجمعهما أب واحد. فتحول السباق بين داحس والغبراء إلى حرب حقيقية بين عبس وذبيان. ومنذ ذلك الحين أصبحت الرياضة توغر في صدور متابعيها من الأحقاد أكثر مما يفترض أن تجمع على الألفة. المتابع اليوم لما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي بين الإخوة العربية من تنافر وسباب وتنابز يدرك أن الرياضة ليست بالمثالية التي نعتقد، وما هو مطلوب من لاعبيها ليس الترفيه والإمتاع وإنما الدفاع عن أحقية هذا الوطن بالتفوق على غيره.
إنك لا تركل الكرة ولا تقذفها في الشباك لتنتصر وحدك أو فريقك وجمهورك ولكن تفعل ذلك من أجل سمعة وطنك كما يفعل الخصم ذلك من أجل سمعة وطنه. هذه المهمة القاسية التي أوكلت للرياضي سبقها الكثير من الإنفاق المالي والتحضير وجلب الخبرات لتقف أمام علم بلادك وتستمع للسلام الوطني، وربما يأخذك الحماس لتغرق عيناك بالدموع. إنك تدافع اليوم عن شرف الوطن. الثقل الأكبر الذي يقع على عاتق هذا اللاعب المسكين هو حين يلعب فريقه الوطني ضد فريق بلد آخر كان قد دخل في حرب حقيقية معه. فبالرغم من السلام الذي يلي هذه الحرب فإن الروح الوطنية تظل حادة ويقظة لتحقق فوزا رياضيا في السلام يعتبره الجمهور انتصارا عسكريا. وتستمع لمعلق هذا الحدث وهو يستخدم جميع الألفاظ العسكرية وكأنه ينقل قتالا حيا بين جيشين لمن يشاهد هذه اللعبة.حين خسرت إنجلترا مباراة لكرة القدم أمام ألمانيا في المكسيك عام 1970م، اعتبر الإنجليز هذه الهزيمة هزيمة عسكرية في إحدى معارك الحرب العالمية الثانية. وعاقبوا السلطة السياسية على هذا الإخفاق الكبير بإسقاط حكومة السيد هارولد ويلسون من حزب العمال في الانتخابات التالية لهذه "المعركة". وكان غريمه المحافظ السيد إدوارد هيث حريصا على ألا يخسر في الألعاب الأولمبية ليحافظ على حظوظه في البقاء. تحويل هذه الرياضات من المتعة إلى المنافسة وإلباسها ثوب الوطنية والدفاع عن سمعة الوطن بكرة من الجلد مملوءة بالهواء هو اضطهاد للاعبيها وجمهورها وإذكاء لروح العصبية فيه. من يتابع "تويتر" بعد خروج الفرق العربية من المنافسات سيدرك درجة البؤس الذي وصل إليه متابع هذه الرياضة.
توابل - ثقافات
الرياضة والوطنية
26-06-2018