تم تشخيص مرض السل عند تلميذ في مدرسة ابتدائية في منطقة خارج واشنطن العاصمة، وتم نقل رضيع مصاب بالتهاب السحايا السلي بواسطة طائرة مروحية إلى مستشفى في شرق كندا، وظهرت عند طفل في مرحلة ما قبل الدراسة في مدينة سمرفس بفرنسا أعراض مرض السل بعد مرور سنة على وفاة أحد زملائه في المدرسة نفسها بسبب هذا المرض.هؤلاء هم مجرد ثلاث ضحايا لوباء السل الذي سيؤثر في مليون طفل هذا العام، من بين الأطفال المحظوظين الذين يتلقون العلاج بالمضادات الحيوية القياسية ولا يعانون أمراضا معقدة مثل فيروس نقص المناعة البشرية، سيتمكن 99% منهم من النجاة، ومع ذلك، فإن 90% من الأطفال الذين يموتون من مرض السل لا يتلقون العلاج، وسيموت ربع مليون طفل بسبب هذا المرض فقط هذا العام، فلا توجد فروق دقيقة لهذه القصة: تقوم سلطات الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم بترك الأطفال المصابين بالسل لمصايرهم.
إذا كان هذا يبدو شائناً، فلنأخذ بعين الاعتبار الخطوط الأولى من التقرير البحثي لعام 2016 من قبل خبراء من إمبريال كوليدج لندن، ومجلس البحوث الطبية، واليونيسف، فهم يعتقدون أنه "حتى وقت قريب، كان السل لدى الأطفال مهملاً نسبياً من قبل مجتمعات مرض السل وصحة الأم والطفل"، وقالوا إنه "يمكن للمقاربات القائمة على حقوق الإنسان للأطفال المتضررين من السل أن تكون قوية؛ ومع ذلك، فإن الوعي وتطبيق هذه الاستراتيجيات ليس شائعا. بمعنى آخر، فإن الأطفال المصابين بالسل قد فشلوا بسبب المجتمعات ذاتها التي تهدف إلى خدمتهم، لكن قليلين من هم على دراية بالمشكلة.في جميع أنحاء العالم يؤدي مرض السل إلى قتل أشخاص أكثر من أي مرض معدٍ آخر، إنه مرض خطير يهدد الصحة العامة لأن البكتيريا التي تسببه تنتشر بسهولة في الهواء، لكن علاجه عند الأطفال مختلف عنه عند البالغين، فمنذ أن تم تصميم اختبارات السل للبالغين، لا توجد طرق موثوقة لتشخيص الأطفال، الذين غالباً ما يعانون أعراضا مختلفة.هذه من الأسباب التي تجعل الأطفال لا يتلقون العلاج، لكن التفسير الأكثر بساطة هو أن هذا المرض ليس معديا عند الأطفال مثل البالغين، عندما يسعل الأطفال تطرد أجسامهم الضعيفة جراثيم سل أقل من البالغين، وعندما يصاب الأطفال بالسل غالباً ما تهاجم البكتيريا أجزاء الجسم باستثناء الرئتين، مثل البطن والأنسجة المحيطة بالمخ.من المؤكد أن العاملين الصحيين الفرديين لا يقومون عن قصد بترك الأطفال المصابين بمرض السل يعانون ويموتون، على عكس النظم الصحية، وفي جميع أنحاء العالم لا تملك مبادرات مكافحة السل الموارد الكافية، ومع إصابة أكثر من عشرة ملايين شخص بالمرض كل عام، تميل الأمور إلى وقف انتشاره، لذلك وعلى الرغم من أن الأطفال هم المرضى الأكثر عرضة للخطر، فإن احتياجاتهم يتم تجاهلها لأنها معدية بشكل أقل.بسبب هذه الأولويات على صعيد المنظومة، يموت مليون طفل كل أربع سنوات من مرض يمكن الوقاية منه وعلاجه، وهذه كارثة إنسانية حقا.لحسن الحظ، هناك بالفعل تدابير عملية لعلاج وباء السل عند الأطفال، على سبيل المثال نحن نعلم أن نحو نصف الأطفال الذين يعيشون مع شخص مصاب بالعدوى من مرض السل يتأثرون بهذا المرض، وبناءً على ذلك يجب أن يتم فحص الأطفال في الأسر التي لديها بالغ مصاب بالعدوى وتوفير الرعاية المناسبة لهم، ومع ذلك وجدت دراسة أجريت عام 2017 في مجلة "ذا لانسيت" أن "الفحص المنزلي لا يزال غير مستخدم بشكل كبير" في البلدان التي ينتشر فيها مرض السل.علاوة على ذلك يمكن للعاملين الصحيين والمسؤولين عن الصحة العامة أن يكتشفوا المزيد من حالات الإصابة بمرض السل عند الأطفال، وذلك عن طريق إيلاء اهتمام أكبر لأعراضهم، بعد تعزيز هذا النهج من قبل الاتحاد الدولي لمكافحة مرض السل والأمراض التنفسية في أوغندا، تضاعفت الحالات التي تم تشخيصها عن الإصابة بمرض السل لدى الأطفال أكثر من الضعف في المناطق التي نُفذ فيها، ومن ناحية أخرى تم استبعاد الأطفال من أبحاث مرض السل، ونحن بحاجة ماسة لتطوير أدوات جديدة مصممة خصوصا لهم.يعتبر مرض السل عند الأطفال مشكلة أخلاقية وسياسية على حد سواء، ولذلك يجب على الحكومات أن تضع حقوق الإنسان في مركز استراتيجياتها وسياساتها وخدماتها الصحية لمكافحة السل، ويمكن أن تكون اتفاقية حقوق الطفل- وهي المعاهدة الأكثر مصادقة على نطاق واسع في العالم- بمثابة إطار توجيهي. يجب على الحكومات اتخاذ إجراءات سريعة بهذا الشأن، في شهر مايو، بدأ كبار المسؤولين الصحيين في جمعية الصحة العالمية في جنيف بالاستعداد لعقد اجتماع رفيع المستوى حول السل في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، فللمرة الأولى في التاريخ سيجتمع رؤساء دول العالم لإيجاد طرق فعالة للقضاء على مرض السل، وستشكل النتيجة الاستجابة الدولية لمرض السل لسنوات قادمة.ويأمل المرء أن يدرك قادة العالم أن وباء السل لدى الأطفال يعكس إهمالا واسع النطاق لحقوق الأطفال الأساسية، ويمكن تقليصه بشكل كبير من خلال التدخلات السياسية الحالية، فلم تعد هناك مبررات لتجاهل هذه الآفة.* خوسي لويس كاسترو* المدير التنفيذي للاتحاد الدولي لمكافحة السل وأمراض الرئة.«بروجكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق مع «الجريدة»
مقالات
الوباء الذي لا ينبغي تجاهله
26-06-2018