تركيا: نسبة التصويت الفلكية!
إذا كان صحيحاً أن نسبة "المقترعين" في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية الأخيرة بلغت نحو 90 في المئة، وهي نسبة لم تعرفها لا الولايات المتحدة ولا أي من الدول الأوروبية (الغربية) ودول الديمقراطية العريقة في العالم كله، فهذا يعني أن الشعب التركي وصل إلى مرحلة متقدمة بالفعل في أدائه السياسي وفي ابتعاده عن تجارب سابقة كانت كارثية بالفعل، وهي تجارب الانقلابات العسكرية التي تلاحقت ولفترة طويلة بعد مرحلة مصطفى كمال "أتاتورك" القاسية.والمعروف أن رابح الرهان في هذه الانتخابات، وخاصة في شقها الرئاسي، هو رجب طيب إردوغان، والمسألة هنا ليست مجرد "شطارة" وألاعيب انتخابية وإنما مسألة نضوج شعب يتكئ على تاريخ طويل، كانت مرارته أكثر كثيراً من حلاوته، وإدراكه، وإن متأخراً بعض الشيء، أن مراهنته الحقيقية يجب أن تكون على صناديق الاقتراع، وليس على القادة الذين يعتبرون أنفسهم ملهمين، كأولئك الذين تناوبوا على الحكم بعد انهيار الدولة العثمانية.
ربما رجب طيب إردوغان، الذي حقق صعوداً متلاحقاً منذ أن اختير رئيساً لبلدية إسطنبول، تولدت لديه قناعة بأنه الثاني بعد مصطفى كمال "أتاتورك" في المسيرة التركية العسيرة الطويلة، وعلى مدى نحو مئة عام ويزيد، لكن نجاحه في هذه المعركة الانتخابية الأخيرة و"على الحافة"، وبنسبة نحو 50 في المئة فقط، من المفترض أنها أقنعته بأنه قد اقترب من خط النهاية، وأن عليه أن يتنحى بعد استكمال فترته الدستورية، وذلك حتى لا تتولى تنحيته صناديق الاقتراع التي قد تستقطب في المرة القادمة أكثر من 95 في المئة من المصوتين الذين ربما باتوا يبحثون عن زعيم جديد غير زعيمهم الحالي.وحقيقة إن ليس الذين صوتوا للرئيس التركي فقط، أي نحو 54 في المئة من الناخبين، هم من ينتظرون منه الشيء الكثير في سنوات حكمه المقبلة بل الشعب التركي كله، فهناك الحفاظ على وحدة البلاد المهددة، وهناك الأوضاع الاقتصادية المزعزعة، وهناك هذه المنطقة كلها غدت متفجرة وملتهبة، وهناك كل هذا الذي يجري في سورية، وكل هذه العلاقات المتردية مع اليونان ومع ألمانيا ومعظم دول الاتحاد الأوروبي، وهناك الخلاف التاريخي مع روسيا، وهناك مشكلة الأكراد التي تشكل صداعاً دائماً لتركيا، والتي هي متفجرة الآن... وستزداد تفجراً في أي لحظة لا محالة.وهكذا وفي النهاية فإنه على إردوغان أن يضع في اعتباره أن عليه بعد هذه الفترة الرئاسية "أن يكتفي من الغنيمة بالإياب"، وأن يبقى يتذكر منذ الآن وحتى نهاية "ولايته" أن هناك مثلاً يقول: "لو أنها دامت لغيرك فإنها ما كانت وصلت إليك"، والأفضل ألا تصيبه عدوى الجارة سورية، حيث أورث الأب الحكم لابنه، وحيث بات هذا الابن يفكر في توريث الحكم لابنه، رغم أنه لم يحافظ على هذا الإرث كالرجال، وأصبح هذا البلد العربي على ما هو عليه، تمزق ومآس وويلات.