بعد 12 عاماً في منصب من المفترض أن يبقى فيه حتى 2022، كان يواكيم لوف في مونديال روسيا لكرة القدم يسعى لأن يصبح أول مدرب يقود منتخباً للاحتفاظ بلقبه العالمي منذ 1962. لكن خروج ألمانيا من الدور الأول أمس الأول، أدخل المدير الفني الهادئ والأنيق في التاريخ، وإن من باب لم يكن يرغب في أن يفتح.

الرجل البالغ 58 عاماً، والمتوج مع منتخب بلاده بطلاً للعالم في مونديال البرازيل 2014، كان يتطلع لأن يصبح المدرب الأول بعد الحرب العالمية الثانية، يقود منتخب بلاده للاحتفاظ باللقب، لا يزال الإيطالي فيتوريو بوزو، ينفرد بهذا الإنجاز بعد قيادته إيطاليا إلى لقب مونديال 1934 على أرضها، والاحتفاظ به عام 1938 في فرنسا.

Ad

وصل المنتخب الألماني إلى مونديال روسيا كأبرز المرشحين للقب. كيف لا وهو الفريق الذي بلغ في عهد لوف (منذ 2006)، الدور نصف النهائي على الأقل في كل بطولة شارك فيها. وقع المحظور، وأقصيت ألمانيا، أمس الأول، من الدور الأول للمجموعة السادسة بخسارتها أمام كوريا الجنوبية (صفر-2)، لتتلقى الهزيمة الثانية في ثلاث مباريات، بعد خسارة أمام المكسيك صفر-1، وفوز بشق النفس على السويد 2-1.

بدلاً من أن يدخل التاريخ من الباب العريض، دخله لوف من الباب الضيق: خرجت ألمانيا من المرحلة الأولى للمونديال للمرة الأولى منذ 1938!

تحذيرات المراقبين والنقاد

حذر المراقبون والنقاد مراراً من صعوبة مهمة الاحتفاظ باللقب، ومنهم المدرب السابق يورغن كلينسمان الذي كان لوف معاونه في مونديال 2006.

قال كلينسمان قبيل المونديال: "قد يكون الفوز بكأس العالم للمرة الثانية على التوالي أصعب ما يمكن تخيله. عندما تكون محظوظاً بما يكفي للفوز بلقب واحد، تحتاج إلى عطش كبير، إلى عزيمة حقيقية".

منذ 2002، لم تغب ألمانيا عن الدور نصف النهائي لكأس العالم. وفي 13 يوليو 2014، كان يمكن للوف الانسحاب من المشهد الكروي، بعد فوز ألمانيا على الأرجنتين في ريو دي جانيرو 1-صفر بعد وقت إضافي، في نهائي النسخة الـ 20 التي استضافتها البرازيل.

لم يكتف المدرب الكتوم بإحراز اللقب الرابع لألمانيا والأول منذ 1990، بل ألحق في طريقه إلى النهائي، خسارة تاريخية 1-7 بالمنتخب البرازيلي المضيف. في تلك الأمسية، كان يمكن للوف أن يخرج من الباب العريض للتاريخ بعدما أثبت أنه قادر على تحقيق كل شيء.

اختار لوف البقاء

لم يكن الألمان أصلاً يريدون ان يقوم بغير ذلك. فالمدرب الذي أعاد الاستقرار إلى منتخب بات يطلق عليه لقب "الماكينات" نظراً لأدائه الثابت، ذاع صيته في بلاده، وتخطت شهرته الرياضة. تحول إلى أيقونة في عالم الموضة، بين إعلانات مستحضرات التجميل والملابس الأنيقة. نفذ نموذج السترة الزرقاء بياقتها المفتوحة، التي ارتداها في مونديال 2010، والقميص الأبيض الذي اعتمده في مونديال 2014، من الأسواق.

حظي بالتقدير بسبب تماسكه وهدوئه في كل الظروف، وانسحب الهدوء الذي يتحلى به لوف على المانشافت. الرجل المكنى "يوغي"، أدخل ثقافة اليوغا إلى تمارين اللاعبين، وحتى بعد الخروج الأربعاء، بقي صلباً وهادئاً.

لكنه الأربعاء، شرع باباً جديداً: احتمال أن يقرر الرحيل بنفسه.

الاتحاد الألماني مدد في مايو الماضي عقده حتى 2022، ورئيسه راينهارد غريندل أكد قبيل مباراة كوريا، أن لوف باق مهما تكن الظروف.

قال لوف الأربعاء بلكنته البافارية: "من المبكر بالنسبة إلي أن أجيب الآن عن هكذا سؤال"، مضيفاً: "سأحتاج إلى ساعات لرؤية الأمور بوضوح، خيبة الأمل عميقة جداً في داخلي".

لم يعرف المهاجم المغمور في مسيرته لاعباً، غير التحدي سبيلاً لأداء مهامه. استهل مشواره التدريبي مع شتوتغارت قبل أيام من انطلاق موسم 1996 - 1997، وقاد الفريق إلى لقب كأس المانيا، وإلى نهائي مسابقة كأس الكؤوس الأوروبية (ألغيت المسابقة لاحقاً) في 1998.

ثبت قدراته في تركيا بإحراز المركز الثالث في الدوري مع فنربغشة، والنمسا حيث أحرز لقب الدوري في 2002 مع إف سي تيرول انسبورك.

التقاه يورغن كلينسمان في دورة إعداد، واقترح عليه في صيف 2004 الانضمام إلى طاقمه الفني بصفة مساعد لمدرب المنتخب الألماني الذي كان يستعد لاستضافة مونديال 2006، بعدما كان خرج لتوه من الدور الأول لبطولة أوروبا التي استضافتها البرتغال عام 2004.

تمكن لوف مع كلينسمان وبمساعدة جيل ألماني موهوب فنياً، من إدخال تغيير في فلسفة اللعب الالمانية، سمح بانتزاع المنتخب الألماني المركز الثالث في نهائيات 2006 على أرضه، بعد خروج صعب في نصف النهائي ضد إيطاليا (التي توجت باللقب) بهدفين في الوقت الإضافي.

بعد تنحي كلينسمان، كان منطقياً أن يطلب الاتحاد الألماني من لوف الإشراف على المنتخب وإكمال المهمة التي بدأها سلفه، وبث الحماسة لدى الجيل الجديد من اللاعبين. نجح لوف في ذلك، قبل أن يجد نفسه في روسيا موضع انتقادات على خلفية خياراته التكتيكية.

الأكيد أنه في حال اختار الرحيل، سيكون مطلوباً من أندية أوروبية كبرى. الكرة باتت الآن في ملعبه: هل يستمر حتى مونديال قطر 2022؟