هل ينهار الاقتصاد الإيراني؟
دفعت التطورات المضطربة خلال الأشهر الأخيرة في أسواق صرف العملات والذهب في إيران وإخفاق الحكومة في ضبط الأسعار المتنامية بسرعة بعض الاقتصاديين إلى البدء باستعمال المصطلح "اقتصاد الفقاعة".لا يخفى على أحد أن اقتصاد هذا البلد تعرّض خلال العقود القليلة الماضية لزعزعة متواصلة من عوامل داخلية مثل سوء الإدارة والفساد وتقلبات خارجية مثل العقوبات، وخطر الحرب، والاضطرابات الإقليمية، لكن حدة الأحداث الأخيرة فاقت انهيار الريال الإيراني في عام 2012 حين واجهت إدارة محمود أحمدي نجاد اجتماعاً مماثلاً للتحديات الداخلية والخارجية، بما فيها خطر الحرب نتيجة تعطل المفاوضات النووية آنذاك، وفي محاولة لتوضيح ارتفاع الأسعار الكبير، أشار المسؤولون الإيرانيون أيضاً إلى "الفقاعات" بإفراط وأكدوا أن تطورات الأسعار لا يمكن توضيحها من خلال الأسس الاقتصادية.صحيح أن التحليل الاقتصادي يركّز دوماً على الأسواق المرئية، مثل العملة الصعبة، والذهب، والأوراق المالية، إلا أن الخلل الرئيس في الاقتصاد الإيراني يكمن في غياب سوق رأسمال فعلية.
يعتقد الخبير الاقتصادي ألبرت باغزيان أن المسؤولية الكبرى في الاضطرابات الراهنة التي تشهدها الأسواق تقع على كاهل المصرف المركزي الإيراني. ويؤكد أن الاندفاع نحو الأسواق الموازية سيتواصل طالما أن المجتمع الإيراني يشعر بأنه يعيش حالة أزمة.في الوقت عينه، تعجز الحكومة أيضاً عن إدارة التقلبات والشكوك، فبدل تحمّل المسؤولية وتأدية دور المنظِّم بغية تهدئة اللاعبين الأساسيين، تلقي الحكومة اللوم على سلطات وشبكات فاسدة أخرى، في حين تُتهم هي بحمايتها أعوانها. علاوة على ذلك لم تطبق مؤسسات أخرى، مثل الأجهزة القضائية والاستخباراتية، أي مبادرات لتهدئة الوضع، بل انضمت إلى لعبة إلقاء اللوم بين المؤسسات والفصائل. وتشكّل القضية الأخيرة التي ضمت شخصيات رفيعة الشأن والتي كشفت عن تهريب خمسة آلاف سيارة باهظة الثمن إلى البلد خير مثال لرؤية كيف يتحرك اللاعبون المختلفون وكيف عطّل الفساد بنى الحوكمة. صحيح أننا نستطيع تحدد أسباب كثيرة لمشاكل هذا البلد الاقتصادية الراهنة، ولكن بإمكاننا التأكيد أن عدم الاستقرار السياسي وما ترتب عليه من تركيز عملية اتخاذ القرارات الاقتصادية على الأجل القصير يشكلان مشكلتين أساسيتين. يؤدي السعي وراء مكاسب سريعة ودورات اقتصادية قصيرة الأجل إلى فقاعات في أسواق عدة ولا يعزز الاستقرار الاقتصادي على الأمد المتوسط والطويل، ونتيجة لذلك نشأت حلقة مفرغة لم تنجح أي حكومة في معالجتها بفاعلية. يلقي بعض الخبراء اللوم على الحكومة، إلا أن جذور المشكلة تمتد أكثر عمقاً وربما تعود إلى ذهنية الربح والخسارة السائدة في الثقافة الإيرانية والتي تقود إلى توترات على الصعيد السياسي كما الاقتصادي.من الواضح أن العلاج الأفضل لأزمات اقتصادية مماثلة يقوم على الإعراب عن شفافية أكبر والتركيز على الحلول التكنوقراطية، ويعني هذا أن على الحكومة والمصرف المركزي الإيراني أن يبدآ بفضح العناصر والشبكات التي تستفيد من تطورات الأسعار الاصطناعية والممارسات الفاسدة. على سبيل المثال، أعلنت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أسماء الكيانات التي استوردت الهواتف الجوالة وفق معدلات الأسعار الرسمية، مفترضةً أن معظمها باع سلعه بمعدلات أسعار السوق الحرة غير الرسمية، علماً أن هذا النوع من المكاسب المفاجئة يموّل عدداً من الشبكات الفاسدة في إيران.علاوة على ذلك يجب أن يتخلى النظام برمته عن سلبيته وسعيه وراء مصالح فاسدة، وقد أصاب أخيراً المدقق المالي البارز عباس حوشي حين ذكر في مقال له أن الطريقة الوحيدة لإصلاح أزمة البلد المالية تقوم على محاربة الاقتصاد السري الخارج عن سيطرة الحكومة والسماح للمصرف المركزي الإيراني بالتمتع باستقلال فعلي.يتعرض روحاني أيضاً لضغط متزايد كي يبدّل فريقه الاقتصادي، لكن التجارب السابقة تُظهر أن تغييرات مماثلة لا تعالج المشكلة الأساسية، فإذا أرادت إيران تفادي الانهيار الاقتصادي، ينبغي للحكومة أن تكف عن تأدبة دور الضحية وأن تبدأ بتنظيم الأسواق المختلفة بالاستناد إلى عقيدة اقتصادية واضحة، فضلاً عن تدابير ترد في عدد من الوثائق الاستراتيجية الحكومية، مثل "رؤية 2025" وخطة التنمية لخمس سنوات.* بيجان خاجيبور