ذكر صهر الرئيس الأميركي ومبعوثه الخاص للسلام إلى الشرق الأوسط منذ أيام، في أول مقابلة له مع صحيفة فلسطينية، أن «فرص التوصل إلى السلام عالية جداً»، مع أن الظاهر يشير إلى العكس. كذلك أكّد أن الإدارة تستعد لنشر خطتها للسلام الإسرائيلي- الفلسطيني التي طال انتظارها. وعند سؤاله عما إذا كانت هذه الخطة تختلف عن الجهود السابقة، أوضح كوشنر أنه «أصغى كثيراً»، وأنه مقتنع بأن الشعب الفلسطيني «ليس مهتماً بنقاط حوار السياسيين» بقدر اهتمامه بمعرفة كيف ستساهم الصفقة في تحسين فرصه في العيش حياة أفضل.

نظراً إلى الخطر الكبير الذي يهدد بتصاعد أعمال العنف، ويتمثل في الأحوال الإنسانية المزرية في غزة، والكلفة الكبيرة المتواصلة التي تترتب على الوضع القائم، تبدو رغبة كوشنر في المضي قدماً رغم كل الظروف المعاكسة مبررة، لكن المؤسف أن مقابلته كشفت أيضاً أنه يعيش في عالم من الأوهام وأنه يعد مقاربة قد تضاعف المشاكل الراهنة لا تحلها.

Ad

يتمحور وهم كوشنر الآخر حول اعتقاده هو وإدارته أنهما أكثر قدرة على النجاح من كل مَن أخفقوا قبلهما، علماً أن هذا يبدو أكثر أهمية بالنسبة إلى ترامب من تحقيق السلام في الشرق الأوسط بحد ذاته.

لكن ترامب تخلى عن أدنى درجات الموضوعية، فقد عمد وحده قبل شهر إلى منح إسرائيل إحدى أبرز الجوائز التي تسعى إليها في المفاوضات: الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، من دون أن يحصل على أي مقابل. وبينما كان عشرات الفلسطينيين في غزة يُقتلون في صدامات مع قوات الدفاع الإسرائيلية، قررت إدارة ترامب ألا تعرب عن تعاطفها مع الفلسطينيين الذين يُقتلون وألا تضم صوتها إلى الأصوات الدولية التي تدعو إسرائيل إلى ضبط النفس.

يعتقد كوشنر في وهمه الثالث أن دول الخليج العربي، ومصر، والأردن ستساعده في تخطي هذه التحديات الكبيرة. لا شك في أن كوشنر سمع الكثير من الكلام الإيجابي من أصدقائه العرب في لقاءاته الخاصة خلال زيارته الأخيرة إلى الأردن، والمملكة العربية السعودية، ومصر، وقطر، التي دامت أربعة أيام، قبل توجهه إلى إسرائيل. ولكن يجب ألا يترقب أن يتبنى هؤلاء القادة علانية مواقف بشأن السلام يرفضها الفلسطينيون والأكثرية الساحقة من شعوبهم.

شراء الفلسطينيين

أما الوهم الرابع، فهو أنه من الممكن شراء الفلسطينيين بالمساعدات الاقتصادية بغية التعويض عن خسائرهم السياسية. لنتجاهل واقع أن إدارة ترامب لم تقدّم استثمارات كبيرة أو تنجح في استقطاب استثمارات مماثلة للبنى التحتية الأميركية، فكم بالأحرى ينطبق ذلك على الضفة الغربية وقطاع غزة؟ اختُبر هذا التشديد على المسائل الاقتصادية مرات كثيرة في الماضي وأخفق.

أخيراً، نصل إلى مشكلة أن الإسرائيليين بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لن يرضوا بالتأكيد بصفقة تجعل القبول بالفلسطينيين أو العرب احتمالاً وارداً ولو بعيداً، ففي السنوات القليلة الماضية، توقف نتنياهو عن التعبير عن دعم حل إقامة دولتين، بعدما كان قد قبله بحذر شديد خلال خطاب أدلى به عام 2009 في جامعة بار إيلان.

لا شك في أن كوشنر بات يعي كل ذلك بعد 18 شهراً من المحادثات بمساعدة جيسون غرينبلات الواسع الخبرة، الذي استشار مجموعة كبيرة من الخبراء والمسؤولين من كل الدول. إذاً، هل كوشنر ساذج؟ ولمَ يمضي قدماً بخطةٍ فرص نجاحها ضئيلة جداً؟

ربما يستند إلى مفهوم أنه من الأفضل أن نحاول ونفشل على ألا نحاول البتة، لكن هذه أيضاً خطوة غير مدروسة. لا يحقق طرح خطة سلام أخرى وإعلان وفاتها فور ولادتها أي هدف غير تعزيز موقف معارضي التسوية أو حتى مؤيدي العنف من كلا الطرفين.

تشمل الأهداف الأخرى من المضي قدماً في هذه الخطة تحميل الفلسطينيين، لا الإطار العام المعقد أو أخطاء ترامب، مسؤولية الإخفاق في التوصل إلى «صفقة كبرى». إذا استخلصنا العبر من الماضي، نتوقع أن يقول الجانب الإسرائيلي «نعم، ولكن» (وهي تعني هنا المحال) وأن يقع الفلسطينيون في شرك رفض الخطة الأميركية أو عدم المشاركة فيها مطلقاً. لا شك في أن هذا يرضي شرائح من قاعدة ترامب الشعبية ويرفع اللوم عن الإدارة لأنها حاولت، إلا أنه سيعمّق أيضاً الشقاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مضاعفا في الوقت عينه الخلافات بين الحزبين الأميركيين بشأن إسرائيل.

مصداقية ترامب

قد يظن كوشنر أن الرفض الفلسطيني يخفف دعم جهود مقاطعة إسرائيل دولياً، لكن هذه الفكرة خاطئة أيضاً. ولا شك في أن غياب مصداقية ترامب في هذه المسألة، وخصوصاً بعد قراراته بشأن القدس والأونروا، سيدفع معظم البلدان الأوروبية والدول الأخرى إلى الاستنتاج أن الفلسطينيين رفضوا الخطة لأنها مجحفة لا لأنهم يعارضون السلام. ويُظهر التصويت غير المتوازن في الأمم المتحدة ضد قرار ترامب نقل السفارة إلى القدس أن الأميركيين هم المعزولون لا الفلسطينيون. علاوة على ذلك، قد يشكّل إلغاء مباراة كرة القدم، التي كانت ستُجرى أخيراً بين إسرائيل والأرجنتين، لأسباب شتى منها إصرار حكومة نتنياهو على الرمزية السياسية لعقدها في القدس إشارةً إلى تسارع حملة المقاطعة، والتجريد، والعقوبات التي تُشن ضد إسرائيل. قد يقول مؤيدو هذه الحملة: إذا كانت الولايات المتحدة تدعم جانباً واحداً فقط من الصراع، فماذا يتبقى؟ ومن المؤكد أن ترسيخ وجهة النظر هذه بطرح خطة سلام تولد ميتة لن يعود بالفائدة على إسرائيل أو أي طرف آخر.

خصصنا سنوات عدة للعمل على هذه المسألة، شاهدنا وشاركنا في حصة كبيرة من جهود السلام الفاشلة أو غير المدروسة. ويثبت الواقع القائم أنه في ظل الظروف الراهنة ومع الحكومتين الحاليتين الإسرائيلية والفلسطينية، يكون حل إقامة دولتين بحد ذاته وهماً في هذه المرحلة. فلا يبدو الشعبان الإسرائيلي والفلسطيني أو قادتهما مستعدين راهناً للتسويات الضرورية للتوصل إلى صفقة. ولا شك في أن تسليط الضوء على هذا الواقع سيزيد الطين بلة. في الدبلوماسية كما الطب، يُعتبر قسم أبقراط عن «عدم التسبب بأذى» مبدأ مهماً، وحري بكوشنر أن يتقيد به اليوم!