ترميمات ما بعد السبعين!
فيما بعد الطفولة والصبا والمراهقة نبذل جهداً وطاقة كبيرة يكون المصدر فيها الجسد، ولم نكن نعلم الآثار التي ستترتب عليه فيما بعد، وقد ثبت طبياً أن صدمات كثيرة يتلقاها الجسم الإنساني في هذه السنوات تُختَزن بداخلنا، ثم تنمو وتتطور في سني الكهولة والشيخوخة، لتظهر بعد ذلك بشكل واضح، ليدفع الإنسان على إثرها فاتورة تبعاتها بأمراض تسقم حياته!***• لنبدأ رحلتي مع معطيات مخلفات الماضي، التي استفحل البعض منها فيما بعد السبعين من الرأس إلى القدم:
• اتسعت مساحة الصلع فوق جمجمة رأسي، بعد أن كنت أزهو بغابة من الشعر في العقود الأولى من حياتي.• خفت حدة البصر في العيون، بل تكاد العين اليسرى تنطفئ بعد أن كنت أتباهى بلون عيني المختلف.• السمع قد خف بنسبة 50%، مما اقتضى وضع سماعات لكي أسمع من يخاطبني جيداً، لكنني يندر أن أضعهما على أذني.• اللوز والأنف والحنجرة أصبحت عرضة للحساسية، مما اقتضى استئصال اللوز وتوابعها.• الأسنان اقتضت التلبيس من الذهب والفضة، لكي تتماسك، بعد أن أخذت تتساقط. • المعدة لم تعد تتقبل الكثير من الأطعمة، وإلا فالحموضة تنغص عليَّ حياتي.• إحدى الركبتين أعلنت العصيان عن الاستمرار بفعالياتها، بعد أن تآكلت، مما اقتضى عملية جراحية لاستبدالها بركبة اصطناعية، بعد أن اضطررت إلى السير على عكاز عدة سنوات.***• في لندن وفي شهر رمضان، بينما كنت أتحدث للمستمعين على الهواء مباشرة من إذاعة "كل العرب"، التي كنت مسؤولاً عنها جاءني خبر: ان أحد الصهاينة في مدينة الخليل دخل على المصلين في المسجد، وفتح عليهم الرصاص من رشاش كان يحمله، فقتل عدداً من الفلسطينيين، فاستبد بي الحماس لهذا الخبر لدرجة البكاء وراء المايكروفون، ثم لم أكن أعلم ماذا حدث لي بعد ذلك.وفي اليوم الثاني وجدت نفسي على سرير في المستشفى، حيث أغمي عليّ في الاستديو، ليكتشف الأطباء أنني أعاني ارتفاعاً في نسبة السكر، وارتفاعاً في ضغط الدم، ولم أكن أعرف شيئاً عن هذين الضيفين اللذين ظلا ملازمين لي حتى كتابة هذه السطور، ثم تمت استضافة ضيف جديد لهما هو الكوليسترول!***• وإذا كان الشاعر محمود درويش قد عاتب عزرائيل على مثل هذه المقدمات قبيل زيارته الأخيرة له، فإنني أشكر عزرائيل، الذي أخّر زيارته لوقت لا يعلمه إلا الله، لأنني رغم كل ما ذكرت عن حياة ما بعد السبعين فإنني أستمتع بالبقية الباقية لي من الوقت الذي هو بين يدي الله.وأقوم بالواجبات المنوطة بي على خير وجه، كما أستغل أيامي مستمتعاً بحياتي الاجتماعية، وأتعايش مع الأحداث، وأساهم في المشاركة في الكتابة عنها عبر وسائل النشر المختلفة والحمد لله.****** فعليك بالتعامل مع حياة ما بعد السبعين أن تكون أقرب إلى الصداقة منها إلى أي شيء آخر، لكي لا تعطيها فرصة أن تنقلب عليك ثم تعجل بمفارقتك!