هناك أربعة أوهام يحاول أصحاب ما يسمى "صفقة القرن" ترويجها:الوهم الأول، أنها قدر لا مناص منه، ولا قدرة للشعب الفلسطيني على مواجهته، وأن الفلسطينيين سيجدون أنفسهم منفردين إن رفضوا هذه الصفقة، وهدف هذا الوهم إحباط الشعب الفلسطيني، وقياداته، ونشر اليأس في صفوفهم لشل قدرتهم على مواجهة ما يخطط له من تصفية لحقوقهم.
والحقيقة أن المعزول ليس الشعب الفلسطيني بل إسرائيل وإدارة ترامب، والتصويت في مجلس الأمن والجمعية العامة دليل ساطع على ذلك، ولن يخرج الطرفان من عزلة "صفقة القرن" ما لم يجدا طرفاً فلسطينياً شرعياً يوافق عليها.وذلك يقودنا للحقيقة الثابتة المناقضة لهذا الوهم، وهي أن الفلسطينيين هم الوحيدون الذين يملكون مفتاح نجاح أو فشل "صفقة القرن"، فبدونهم لا وجود لصفقة أصلاً، بل ستبقى مجرد مشروع ليكودي من جانب واحد فاقد للشرعية، وعاجز عن التنفيذ.الوهم الثاني، الادعاء بأن "صفقة القرن" تمثل حلاً متوازناً، وذلك أفدح التضليل. فكل ما تسرب ونشر من فريق "الصفقة" يؤكد أمراً واحداً، وهو أنها مشروع لتصفية حقوق الشعب الفلسطيني لمصلحة رؤية نتنياهو وحكومته الصهيونية المتطرفة.ويكفي أن نذكر هنا بعض عناصرها، من تهويد وضم القدس وحرمان الفلسطينيين من حقهم فيها كعاصمة لدولتهم، والمحاولة السخيفة لاستبدالها ببلدات كأبو ديس أو العيزرية، إلى تصفية حقوق اللاجئين في العودة بدءاً بحل وكالة الغوث الدولية وتصفيتها، أو تحويل فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة إلى مجرد سجن محاصر في غزة، ومعازل وجيتوات مجزأة إلى 224 جزيرة في 35% فقط من الضفة الغربية، بحيث تكون مجزأة بمئات الحواجز والمستوطنات والجدار، ومن ثم ضم المستوطنات وما لا يقل عن 62% من الضفة الغربية لإسرائيل. وفي الخلاصة فإن فكرة الدولة المستقلة تتحول حسب صفقة القرن إلى مجرد كيان إداري هزيل ومجزأ، بلا سيادة، وخاضع للهيمنة السياسية، والأمنية، والاقتصادية الإسرائيلية.الوهم الثالث موجه الى سكان قطاع غزة، الذي أنهك بالحصار والضغوط الاقتصادية والأزمة الإنسانية، لإقناعهم بأن من العبث مقاومة المخططات الإسرائيلية والأفضل الاستسلام لصفقة القرن، التي ستحول قطاع غزة الى "سنغافورة جديدة".قصة سنغافورة ورفاهيتها هذه تم الترويج لها سابقا بعد توقيع اتفاق أوسلو، وكانت النتيجة ما نراه اليوم من دمار لقطاع غزة، وتلويث للمياه والتربة، وبطالة تطول أكثر من ثمانين في المئة من الشباب الخريجين، واعتداءات متكررة أودت بحياة الآلاف، "والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين".أما الوهم الرابع فهو الترويج للحل الاقتصادي كبديل للحل السياسي، وهو ما أبدع غاريد كوشنر في تكراره في مقابلته مع صحيفة القدس. يريد كوشنر أن يقدم الفلسطينيون مزيداً من التنازلات، بعد ما تضمنه اتفاق أوسلو من تنازل عن 78% من وطنهم، وعن نصف ما قررته الأمم المتحدة دولة لهم.ويريد كوشنر أن يتنازل الفلسطينيون عن القدس، وعن حق اللاجئين في العودة، وعن حقهم في دولة مستقلة، وعن حقهم في تقرير المصير، وعن أراضيهم التي سرقها المستوطنون والاستيطان، مقابل وعود وهمية باستثمارات لن تدفع الولايات المتحدة أو إسرائيل سنتاً واحداً منها، بل يجب أن تأتي من الدول العربية مقابل تطبيع كامل بين هذه الدول وإسرائيل على حساب القضية الفلسطينية وتصفيتها.خُدع الكثيرون قبل سنوات بأوهام اتفاق أوسلو، وبالسلام الذي ستجلبه المفاوضات، والنتيجة الوحيدة الحقيقية الملموسة لكل ما جرى هي ما نعيشه اليوم من حصار، وتنكيل، وقمع، وسجون، واستيطان واحتلال تحول الى أسوأ منظومة أبارتهايد في التاريخ البشري الحديث.ولا يجوز للشعب الفلسطيني، أو لقياداته، أو لقواه السياسية والمدنية أن تُخدع مرة أخرى، فلا تدعو أوهام "صفقة القرن" تتسرب لعقولكم، فطريقها لا يؤدي إلا الى الجحيــم.* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينيـة
مقالات
لا تنخدعوا بأوهام صفقة القرن
01-07-2018