عندما زار الرئيس أردوغان الكويت قبل عشر سنوات تقريباً كنت وقتها عضوا في الحكومة التقيت زوجته وابنته على هامش الاجتماعات، حيث شرحت ابنته كيف منُعت من دخول كل الجامعات في تركيا لأنها ترتدي الخمار، وترفض أن تتخلى عن هذه الشعيرة التي أمر الله بها سبحانه في القرآن الكريم، فما كان من والدها إلا أن أرسلها إلى الولايات المتحدة الأميركية لتكمل دراستها وتتخرج بنجاح، وأردفت أن أبواب الجامعات الآن مفتوحة للمحجبات بعد أن أزيل ذلك المنع ولله الحمد والمنة.تذكرت هذا الحوار وأنا أتابع ما ينشر الآن في وسائل الاتصال بين فريقين كويتيين حول أردوغان بمناسبة فوزه في انتخابات الرئاسة الأخيرة في تركيا، حيث انقسم الفريقان إلى مهاجم ساخط ومؤيد مندفع، هكذا دون وسطية في الطرح أو علمية في تناول الحدث.
ففي حين شبه الطرف المؤيد أردوغان بالسلاطين والخلفاء العثمانيين، وبشر بعودة الخلافة الإسلامية للعالم من خلال تركيا على حد تعبير القرضاوي، وأخذ هذا الطرف يغمز ويلمز في بعض الدول العربية والإسلامية، نجد أن الطرف الآخر سارع إلى التذكير بعلمانية تركيا ووجود علاقات مع إسرائيل، ومقابلات أردوغان المنشورة حول العلمانية، وأنه يرى ألا مبرر للخوف منها، وذكّر هذا الطرف أيضاً بإباحة الخمور والمراقص وإلغاء جريمة الزنى في تركيا. وهذه حال كثير منا للأسف لا اعتدال في الفهم ولا وسطية في الطرح.شخصيا رأيت أن من الصعوبة تصديق تلك الأخبار التي نشرت عن أردوغان مثل زيارته لمنزل سيدة فقيرة وأمره ببناء بيتها على نفقة الدولة لأن هناك الآلاف مثل حالة هذه السيدة، أو أمره بإلغاء كل صور أتاتورك من المؤسسات الرسمية، وإلغائه تدريس سيرة أتاتورك من المدارس لأن صور ذلك الطاغية ما زالت معلقة لكل من يرى، أو منعه الهندوس والبوذيين من دخول تركيا، أو ذهابه يوميا قبل الدوام لتقبيل يد أو قدم والده لأن والده توفي قبل رئاسته بسنوات، وغيرها من الصور الدعائية الانتخابية غير المؤكدة التي ينشرها بعض الإخوة المتحمسين لأردوغان في الكويت، ولكن أردوغان في المقابل ذو توجه إسلامي واضح يبدو جليا في الاستشهاد بالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة وسيرة نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، ودفاعه عن الإسلام والهوية الإسلامية واهتمامه بالمساجد وتوجيه الشباب للدين ودور القرآن الكريم التي عادت لها الحياة منذ أيّام سلفه نجم الدين أربكان الذي زارنا في مجلس الأمة قبل وفاته رحمه الله.وأردوغان عندما يقوم بهذه الإنجازات في بلد علماني كان إلى سنوات قليلة ماضية يحارب أي شعائر أو مظاهر إسلامية يستحق فعلا الشكر والتأييد، وذلك فضلاً عن نهوضه بالاقتصاد التركي، وتصديه للعدو الصهيوني في المحافل الدولية ودفاعه عن الحق الفلسطيني، ولنتذكر نحن الكويتيين كيف كانت تطربنا أي كلمة مؤيدة لحقنا تقال في الأمم المتحدة أثناء الاحتلال العراقي.وليتذكر الذين بالغوا في نجاح أردوغان ووصفوه بخليفة المسلمين أنه رئيس لدولة تركيا وأن عليه أن يعمل من أجل تحقيق مصالحها الوطنية التي قد لا تتفق دائما مع مصالحهم وطموحاتهم. وليتذكر الذين يهاجمون أردوغان أنه ما أنزلت الشرائع إلا لتحصيل المصالح وتكميلها ولدرء المفاسد وتقليلها، فلا شك أن تقليل المفاسد في تركيا يسعد المسلم الحق الذي يحب الإسلام، ولكن في الوقت نفسه لا يحق لمن سعدوا بهذه الإنجازات أن يستغلوها للطعن في الكويت أو الشقيقة السعودية بسبب خلافاتهم السياسية معها.فرح كل من يحب الإسلام عندما تصدت بريطانيا للمقترح الفرنسي الذي قدمته للبرلمان الأوروبي بمنع الخمار في جميع المؤسسات الرسمية الأوروبية وأسقطته، فكيف لا نفرح لأي مسؤول مسلم وهو يحاول إحياء بعض الشعائر الإسلامية في دولة أبعدتها العلمانية أجيالا عن الإسلام، ولكن من السذاجة أن نعتقد أن مجرد إحياء هذه الشعائر هو إيذان بعودة الخلافة إلى تركيا، مع رجائنا أن يوفق الله أردوغان للمزيد من الإنجاز إلى أن ينجح بتحويل تركيا من العلمانية إلى الإسلام.أتابع هذا الخلاف الكويتي حول أردوغان بمرارة وأستذكر الهجوم المماثل الذي يشنه بعض الإسلاميين على علماء وفقهاء ودعاة كان لهم الدور الكبير في الصحوة الإسلامية المعاصرة بسبب خلافات في بعض الآراء والمواقف، كما أستذكر القوانين الإسلامية التي نجحنا في إقرارها في مجلس الأمة والمصالح التي عملنا لتكميلها والمفاسد التي جاهدنا لتقليلها في تلك الأثناء، وكيف قابلها للأسف بعض الإسلاميين بالاستخفاف وعدم التقدير والبحث عن الأعذار لتبرير عدم التأييد، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
مقالات
رياح وأوتاد: جدال الفريقين الكويتيين حول أردوغان
02-07-2018