مرحى لنا حرية «الكورة!!»
الحريات الباقية لك كعربي هي أن تشجع البرازيل أو ألمانيا فقط، فهذا ما تبقى من الحريات للعربي، كل أمر آخر يجرم عندما يصبح القضاء بيد رجالات السياسة رغم كثرة حديثهم عن استقلالية القضاء. تبقى الحرية المتاحة الوحيدة هي أن ترفع علم بلد فريق الكرة التي تحب وتبقى رغم ذلك لست عرضة للاعتقال أو المطاردة أو الحكم بالحبس والغرامات المالية أو الاختفاء القسري، وهذا أضعف الإيمان الرحيل بعيدا عن الأوطان التي كتمت الحريات أكثر خوفا من ربيع قصير حل على بعض الميادين، وما إن عمت الفرحة وحضرت التدخلات والأموال والسلاح والتطرف، حتى رحل كالسراب.هنا ليست مساحة للنوح والبكاء على حريات هي أصلا كان عمرها في تاريخنا قصيرا قصيرا، ولكنها للتذكير بأننا لا نزال بعيدين جدا عن تنمية لا تكبر وتزدهر دون حريات، وخصوصا حرية التعبير والحق في الحصول على المعلومة والمشاركة في صنع القرار والنقد والمحاسبة من قبل أجهزة رقابية مستقلة، والأهم قضاء عادل، فعندما يعرف المواطن أنه يستطيع أن يحصل على حقه عبر قضاء نزيه هنا يبدأ الإحساس الأول بالمواطنة الحقيقية وليست تلك المزيفة المغلفة بشعارات شعبوية، وتجييش وتعبئة ضد الآخر وخطاب كراهية لا يمكن أن ينتج سوى مزيد من التطرف والدم الذي لم يجف منذ أوائل التاريخ الأول!!يبقى البعض يترحم حتى على تلك المرحلة التي فتح فيها المجال أن يقول الكثيرون ما يشاؤون في الصحف وعلى شاشات التلفزة وفي المقاهي الشعبية منها و"المعولمة"، وهم يفعلون ما يشاؤون ويستمرون في ممارسات لم تثمر سوى مزيد من التهميش والإحساس بالغبن حتى عمّ الظلم.
كان ذاك الشاب في الشهر الأول من 2011 ينظر لذلك المبنى وهو يحترق ويقول كم من الظلم ارتكب في داخله، كم هناك حكايات لجدران سجلت صرخات المعذبين وأنينهم، كم هناك من ملفات وأوراق كلها زيفت وكم من أرواح زهقت، ينظر للمبنى مرة أخرى والدمع يملأ عينيه ويكرر ربما هي العدالة الإلهية ربما؟ فلم يبق أمل في من هم على الأرض!! ولكن فرحته كما فرحت الآخرين لم تطل كثيرا، فربما احترق ذلك المبنى ودفن كل الذكريات إلا تلك الممارسات التي ما لبثت أن عادت سريعا تتسلل من بين خطابات التخويف من الآخر، وشيطنة التيارات والتنظيمات والفئات المجتمعية. حتى الفقراء أصبحوا هم الكارثة على الأوطان وليسوا الضحايا!! ضاقت مساحات الحرية المسموح بها، حتى بتنا نحتفل بالفتات الذي يرمى لنا بين الفينة والأخرى نساء ورجالا وشبابا ونحن نسمع خطابات ممجوجة عن التقشف، وأن الدولة لم تعد قادرة على تحمل أعباء المواطنين، وليست مسؤولة عن تشغيلهم وتوفير فرص العمل لهم حتى المتعلمون منهم هم عالة على البلد كما يقولون!! ولم يعد مسموحا أن يقوم أحد الباحثين والمختصين في علم الاقتصاد السياسي بطرح السؤال الأزلي: لماذا كانت الدولة "صاحب العمل" الأكبر في هذه الأوطان الريعية؟ ألم يكن ذلك ضمن العقد الاجتماعي عندما قيل للمواطن "سنوفر لك كل احتياجاتك المادية اليومية مقابل صمتك وعزلتك، وتهميش رأيك وسكوتك عن السؤال المكرر الذي يبدو اليوم وكأنه الجرم الأكبر: أين ذهبت كل تلك الأموال وعوائد النفط والغاز والتجارة والسياحة الدينية منها وغيرها؟!". يقول ذاك السياسي المخضرم: "ماذا نفعل لشعوب لا تعرف سوى أن تنجب أكثر فأكثر؟ ألم يسمعوا بتحديد النسل في الأمم المتقدمة؟ فيعود الخطاب القديم المتجدد بأن الإشكالية في عدم تقدم مجتمعاتنا وتخلفها التنموي عن كل مجتمعات الكون هي الشعوب وكثرة الإنجاب وكثرة المطالب وأحيانا وصمها بأنها شعوب كسولة ومدللة"!!! عجبي. شعوب لم يبقَ لها من الحرية إلا بعض هواء ملوث وماء شحيح أو هو الآخر ملوث وكهرباء تنقطع أكثر من أن تصل!! وفرص عمل توزع حسب الولاءات لا حسب الكفاءات وأنظمة تقاعد تتلاشى بعد "تحويشة" العمر! وأطفال لا مدارس لهم سوى الفصول والمدارس غير الآدمية أو الخاصة بالتكاليف العالية، ومستوصفات ومستشفيات الداخل إليها مفقود والخارج مولود، وهنا أيضا العلاج الخاص مرتفع التكلفة ومتاح للأثرياء فقط، وسجون مكتظة وجامعات تخرج أنصاف المتعلمين.هذه الحريات المتاحة للعرب اليوم ليس لهم سوى العودة إلى كأس العالم وتشجيع الأفرقة غير العربية.* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية