مرحى لنا حرية «الكورة!!»
![خولة مطر](https://www.aljarida.com/uploads/authors/982_1671286347.jpg)
كان ذاك الشاب في الشهر الأول من 2011 ينظر لذلك المبنى وهو يحترق ويقول كم من الظلم ارتكب في داخله، كم هناك حكايات لجدران سجلت صرخات المعذبين وأنينهم، كم هناك من ملفات وأوراق كلها زيفت وكم من أرواح زهقت، ينظر للمبنى مرة أخرى والدمع يملأ عينيه ويكرر ربما هي العدالة الإلهية ربما؟ فلم يبق أمل في من هم على الأرض!! ولكن فرحته كما فرحت الآخرين لم تطل كثيرا، فربما احترق ذلك المبنى ودفن كل الذكريات إلا تلك الممارسات التي ما لبثت أن عادت سريعا تتسلل من بين خطابات التخويف من الآخر، وشيطنة التيارات والتنظيمات والفئات المجتمعية. حتى الفقراء أصبحوا هم الكارثة على الأوطان وليسوا الضحايا!! ضاقت مساحات الحرية المسموح بها، حتى بتنا نحتفل بالفتات الذي يرمى لنا بين الفينة والأخرى نساء ورجالا وشبابا ونحن نسمع خطابات ممجوجة عن التقشف، وأن الدولة لم تعد قادرة على تحمل أعباء المواطنين، وليست مسؤولة عن تشغيلهم وتوفير فرص العمل لهم حتى المتعلمون منهم هم عالة على البلد كما يقولون!! ولم يعد مسموحا أن يقوم أحد الباحثين والمختصين في علم الاقتصاد السياسي بطرح السؤال الأزلي: لماذا كانت الدولة "صاحب العمل" الأكبر في هذه الأوطان الريعية؟ ألم يكن ذلك ضمن العقد الاجتماعي عندما قيل للمواطن "سنوفر لك كل احتياجاتك المادية اليومية مقابل صمتك وعزلتك، وتهميش رأيك وسكوتك عن السؤال المكرر الذي يبدو اليوم وكأنه الجرم الأكبر: أين ذهبت كل تلك الأموال وعوائد النفط والغاز والتجارة والسياحة الدينية منها وغيرها؟!". يقول ذاك السياسي المخضرم: "ماذا نفعل لشعوب لا تعرف سوى أن تنجب أكثر فأكثر؟ ألم يسمعوا بتحديد النسل في الأمم المتقدمة؟ فيعود الخطاب القديم المتجدد بأن الإشكالية في عدم تقدم مجتمعاتنا وتخلفها التنموي عن كل مجتمعات الكون هي الشعوب وكثرة الإنجاب وكثرة المطالب وأحيانا وصمها بأنها شعوب كسولة ومدللة"!!! عجبي. شعوب لم يبقَ لها من الحرية إلا بعض هواء ملوث وماء شحيح أو هو الآخر ملوث وكهرباء تنقطع أكثر من أن تصل!! وفرص عمل توزع حسب الولاءات لا حسب الكفاءات وأنظمة تقاعد تتلاشى بعد "تحويشة" العمر! وأطفال لا مدارس لهم سوى الفصول والمدارس غير الآدمية أو الخاصة بالتكاليف العالية، ومستوصفات ومستشفيات الداخل إليها مفقود والخارج مولود، وهنا أيضا العلاج الخاص مرتفع التكلفة ومتاح للأثرياء فقط، وسجون مكتظة وجامعات تخرج أنصاف المتعلمين.هذه الحريات المتاحة للعرب اليوم ليس لهم سوى العودة إلى كأس العالم وتشجيع الأفرقة غير العربية.* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية