غضب في أميركا
بعد أن تولى ترامب المسؤولية من المتوقع أن تتدهور أحوال المنتمين إلى شريحة الـ90% (الأقل دخلاً) ولن يفشل نهجه في التعامل مع التجارة بشكل خاص في مساعدة الناس الذين يزعم أنه يمثلهم فحسب؛ بل سيدمر أيضا حس العدالة والرعاية الذي ربط جماهير الناس بزعمائهم تاريخيا.
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
يعمل قسم كبير من سكان الولايات المتحدة بقدر من الجدية أعظم من أي وقت مضى، ومع ذلك فقد عانوا انخفاض مستويات المعيشة، والذي تفاقم بفِعل المستويات المرتفعة من الديون الأسرية، وفي العديد من الحالات، الافتقار إلى التأمين الصحي. ويستطيع أعلى 10% دخلا بين السكان الوصول بسهولة إلى التعليم العالي الذي من شأنه أن يمكن أبناءهم من الحصول على الامتيازات نفسها التي يتمتعون هم بها؛ أما 90% الأقل دخلا فيتعين عليهم أن يبذلوا جهدا أعظم كثيرا لتغطية الرسوم الدراسية التي ارتفعت إلى عنان السماء، وهم يتخرجون عادة وقد أثقلتهم أعباء الدين. كما يتلقى أعلى 10% رعاية طبية من الدرجة الأولى؛ ولا يتمكن المنتمون إلى 90% الأقل دخلا من الحصول على مثل هذه الرعاية عادة، أو يتعين عليهم أن يدفعوا ثمنا باهظا للغاية لتأمين مثل هذه الرعاية.المفترض أن تعمل الضرائب على تمهيد أرض الملعب لمصلحة الجميع لتحقيق تكافؤ الفرص، لكن الجمهوريين الأميركيين مارسوا الضغوط فترة طويلة لخفض الضرائب على الأغنياء، بزعم أن خفض ضريبة الدخل الهامشية من شأنه أن يعمل على تعزيز الاستثمار، وتشغيل العمالة، وعجز النمو الاقتصادي، وهذا بدوره يسمح بتقاطر الثروة إلى الأسفل لبقية المجتمع. والواقع أن خفض الضرائب لمصلحة الأغنياء لا يُفضي إلا إلى تعزيز المزايا التي يحصلون عليها، وتفاقم التفاوت بين الناس.وما يزيد الطين بلة أن الفقراء يدفعون قدرا أكبر من الضرائب غير المباشرة (على الأرض، والعقارات، والسلع الاستهلاكية)، ويدفع المنتمون إلى شريحة الأقل 20% دخلا أكثر من ضعف ما يدفع المنتمون إلى شريحة الأعلى 1% دخلا من ضرائب الدولة. أضف إلى هذا التحديات التي تفرضها تكنولوجيات الأتمتة والروبوتات، ناهيك عن الكوارث الطبيعية المتزايدة التواتر والحدة، فيصبح من السهل أن نرى لماذا يشعر كثيرون من الناس بالغضب الشديد.وفقا لستيوارت، يشكل المنتمون إلى شريحة الـ9.9% "هيئة العاملين الذين يديرون الآلة التي توجه الموارد من أبناء شريحة الـ90% إلى شريحة الـ01%، الذين يقبلون بسعادة حصتهم من الغنيمة"، لكن التفاوت الذي تعمل هذه الآلة على توليده من الممكن أن يخلف عواقب وخيمة، لأنه يحفز السخط الاجتماعي، وكما نرى في الولايات المتحدة اليوم، يقود إلى صنع السياسات على نحو شاذ وغير مستقر. وكما يزعم المؤرخ الأسترالي والتر شيديل، كان التصدي للتفاوت بين الناس يجري تاريخيا إما من خلال الحرب، أو الثورة، أو انهيار الدولة، أو كارثة طبيعية. ويتطلب تجنب مثل هذا الحدث الدرامي أن يقوم المنتمون إلى شريحة الـ10% بعمل أفضل كثيرا لتعزيز مصالح المنتمين إلى شريحة الـ90% من حيث الدخل، والثروة، والرفاهية، والفرص، ومع ذلك، تسبب مزيج من قِصَر النظر الاقتصادي والاستقطاب السياسي في دفع كثيرين بدلا من ذلك إلى محاولة تحويل الغضب الشعبي نحو المهاجرين، والصين، والتجارة (بما في ذلك التجارة مع الحلفاء المقربين). ونتيجة لهذا، انزلق العالَم بأسره الآن إلى حرب متصاعدة من سياسات الحماية والتي لن يفوز بها أحد.صحيح أن التناقضات واختلالات التوازن الداخلية كانت تاريخيا تؤدي إلى صراعات بين الدول، لكن هذا ليس حتميا، بل تعتمد النتيجة على جودة القيادة، ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، نجح جورج واشنطن، وأبراهام لينكولن، وفرانكلين د. روزفلت في تعزيز قوة بلدهم لأنهم أدركوا الحاجة إلى معالجة الانقسامات الداخلية في ضوء القيم الأساسية الأميركية، والموقع العالمي، والأهداف الطويلة الأجل.وقد استغل الرئيس الأميركي دونالد ترامب الغضب الشعبي لتعزيز مصالحه الخاصة، لكنه لم يخلق ذلك الغضب؛ فقد أنفق أهل النخبة في أميركا عقودا من الزمن في القيام بذلك، فعملوا على خلق الظروف المناسبة لظهور شخصية مثل ترامب، والآن وقد تولى ترامب المسؤولية، فمن المتوقع أن تتدهور أحوال المنتمين إلى شريحة الـ90%، ولن يفشل نهجه في التعامل مع التجارة بشكل خاص في مساعدة الناس الذين يزعم أنه يمثلهم فحسب؛ بل سيدمر أيضا حس العدالة والرعاية الذي ربط جماهير الناس بزعمائهم تاريخيا.إن إلقاء اللوم على الغرباء ممارسة مريحة على المستوى السياسي، لكن السبيل الوحيد لجعل أميركا "عظيمة مرة أخرى" يمر عبر معالجة مظالمها الداخلية، ولن تقوم أي تعريفات جمركية على الواردات أو أي جدران حدودية بهذه المهمة.* أندرو شنغ وشياو غنغ* أندرو شنغ زميل متميز لدى معهد آسيا العالمي في جامعة هونغ كونغ، وعضو المجلس الاستشاري لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لشؤون التمويل المستدام، وشياو غنغ رئيس مؤسسة هونغ كونغ للتمويل الدولي، وأستاذ في جامعة هونغ كونغ.«بروجيكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق مع «الجريدة»
يتعين على فئة 90% الأقل دخلاً أن يبذلوا جهدا أعظم كثيرا لتغطية الرسوم الدراسية المرتفعة إلى عنان السماء