لم يكن ما توصل إليه الطرفان الكويتي والبريطاني مجرد اتفاق على تنظيم عملية استثمارات لأموال في بورصة لندن، بل تجاوز الأمر إلى وضع الأسس لتنظيم عملية الاستثمار الخارجي الكويتي.كان يوم 23 فبراير 1953 نقطة انطلاق تاريخية بالنسبة للاستثمار، واقترح على هيئة الاستثمار أن تتخذ من 23 فبراير يوماً للاستثمار الخارجي، خاصة أنه، بمحض المصادفة، قريب من الأعياد الوطنية، وقد يكون مناسبة للتأمل والمراجعة وتحسين الأداء. الوثائق الكويتية كانت ثلاثاً، الأولى هي رسالة توطئة (صفحتان)، حدد فيها الشيخ عبدالله السالم الإطار العام للاستثمار، وحتمية استثنائه من أي قيود ضريبية، وبالذات ضريبة الدخل، وضريبة التركات، انطلاقاً من أن ملكية تلك الأموال تابعة للدولة وليست لأشخاص. أما الوثيقة الثانية، وهي ذات أهمية تاريخية، حيث جاء فيها تأسيس وبناء مجلس الاستثمار الكويتي، وهو مؤسسة من النادر أن يأتي أحد على ذكرها، فقد تضمنت هيكل وبنيان المجلس، وكانت بمنزلة مرسوم أميري بدأ بديباجة "نحن عبدالله السالم الصباح نيابة عنا وعمن يخلفنا نعلن إنشاء وتشكيل مجلس الاستثمار الكويتي"، ولم أعثر خلال بحثي المضني على نسخة باللغة العربية، وأظن لو أنه كان قد تأسس في أواخر 1954 لوجدناه منشوراً في الجريدة الرسمية "الكويت اليوم"، التي صدرت في سنة 1954 . تكونت الوثيقة من 36 مادة أساسية وفرعية، وحددت صلاحيات وواجبات المجلس، إلا أنه جعل مرجعية القرارات الرئيسة لدى الشيخ. كما بينت أنه لا يزيد عدد أعضاء المجلس على 5، كما سمى أول أعضاء للمجلس، لورد بيرسي، ولورد كينيث ذي دين، والسيد اتش تي كمب (مستشار الشيخ في بريطانيا والذي كان عليه العبء الأكبر) الذي يرأس المجلس، والسيد سي بي إل وياشو، كما حدد المرسوم/القرار أن صلاحيات التعيين والإعفاء بالنسبة للأعضاء مطلقة بالنسبة للشيخ، كما اشترط تعيين مكتب محاسبة معتمد يتم تعيينه من قبل الشيخ على أن يرفع تقاريره مباشرة للشيخ وليس للمجلس. أما الوثيقة الثالثة فكانت عبارة عن توجيهات عامة من الشيخ لمجلس الاستثمار، يحدد فيها للمجلس كيف يعمل ويقوم بمهامه، مع ضرورة رفع تقرير ربع سنوي للشيخ عن سير أعماله، كما قام بتسمية مكتب محاسبة معتمد لتدقيق حسابات مجلس الاستثمار، وهو مكتب بوست ومارويك وميتشل. أما الوثيقة البريطانية فكانت الموافقة على طلبات الشيخ ومنح الكويت كدولة استثناءً استثمارياً مازال مستمراً حتى اليوم.
مجلس الاستثمار بلندن ظهر للوجود في فبراير 1953 . ومن ثم تحول في وقت لاحق إلى ما نعرفه اليوم باسم هيئة الاستثمار، والتي تعتبر موجوداتها ومحافظها وعوائدها ثاني مصدر للدخل بعد النفط. أما اليوم فقد تحولت تلك الهيئات إلى ما يسمى بالصناديق السيادية، وهو مصطلح جديد في ساحة الاقتصاد السياسي الدولي، الأمر الذي أدى إلى تأسيس هيئة دولية معنية بالتنسق وتنظيم وتقنين تلك الصناديق السيادية ووضع معايير لعملها.الثابت في الأدبيات المتخصصة في هذا المجال هو أن أول صندوق سيادي في العالم هو الصندوق الكويتي، وهو أمر إيجابي، أما الآن فقد تنوعت مسألة الاستثمار الخارجي، وتعددت المؤسسات التي تستثمر خارجياً، وتعددت المنطلقات، وفيها ما هو إيجابي وما هو سلبي، ولكن لذلك حديث آخر.
أخر كلام
زمن عبدالله السالم 11 تأسيس مجلس الاستثمار الكويتي
02-07-2018