تعابير غامضة وقواعد جديدة تحكم تشكيل حكومة جديدة بالعراق
رغم الجدل الواسع حول نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة، لم تتوقف الحوارات بين الكتل الفائزة، وبرزت مجموعة تطورات، جعلت المراقبين يتحدثون عن قواعد جديدة لمفاوضات تشكيل «الكتلة الأكبر» المخولة تسمية رئيس جديد للحكومة، وهي مفاوضات تكون عسيرة، عادةً، بسبب واقع التوافق السياسي في برلمان تعددي جداً، وانقسامات طائفية وعرقية، وانقسامات ربما تكون أشد داخل كل مكون.وأبرز تطور تشهده المفاوضات، التي يتوقع كثيرون أن تنتج حكومة جديدة قبل الخريف، بضغط دولي ملحوظ، هي كلمات استخدمها مقتدى الصدر راعي تحالف «سائرون»، الذي حل بالمركز الأول في الانتخابات، من قبيل «الأغلبية السياسية»، و«الحكومة الأبوية»، وكذلك «رفض المحاصصة والاستعانة بتكنوقراط غير حزبي»، وهي تعبيرات لم يفلح الجدل المحلي بعد في بلورة تعريف دقيق لها، لكن الجميع يدركون أنها تعني تغييراً مفصلياً في نوع التقاسم الصعب للسلطة، والإدارة، والموارد المالية.ويثير مفهوم «الأغلبية السياسية» قلقاً مشروعاً لدى السُّنة والأكراد، إذ يمكن للشيعة أن يشكلوا حكومة أغلبية بمفردهم، ويهمشوا الآخرين، لكن الصدر، ورئيس الحكومة حيدر العبادي، ورئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي، قالوا إن كتلهم لن تدخل في تحالف طائفي، وإنهم كشيعة يمتلكون اليوم لوائح متنوعة فكرياً واجتماعياً، وليست شيعية خالصة، وتمكنوا من الفوز في معظم المدن، واستقطبوا ساسة وخبراء من خلفيات فكرية متنوعة يميناً ويساراً.
إلا أن مصطلح «الأبوية»، الذي استخدمه الصدر يثير قلقاً من نوع آخر، فقد فهمه كثيرون، بينهم العبادي نفسه، بحذر، واعتبروه وصاية من الصدر كفائز أول في الانتخابات، على باقي الأطراف. ويقول آخرون، إن المرجع الأعلى السيد علي السيستاني يريد للنجف كعاصمة دينية للعراق، أن تفرض بعض القيود الجديدة لإصلاح إداري وسياسي عميق، يمتص غضباً شعبياً واضحاً على سنوات الفشل الطويلة، وإن الصدر يحاول التعبير عن رغبة نجفية أكثر منها حزبية، وإن مصطلح أبوية يعبر عن المرجعية.لكن الطوائف العراقية تنقسم بنحو معقد أكثر مما مضى، فالسياسيون السُّنة، الذين دُمِّرت معظم مدنهم في الحرب، لم ينجحوا في استعادة ثقة الجمهور بهم، ولم يديروا حواراً مع شيعة السلطة بالقدر الكافي، وليس هناك اليوم طرف سني موحد يمثل تلك المناطق المهمة. أما الأكراد الذين واجهوا رحيل زعامات تاريخية مثل جلال الطالباني الرئيس العراقي السابق، ونوشروان مصطفى زعيم المعارضة الكردية، وتعرضوا لنكسة بعد الاستفتاء على الاستقلال سبتمبر الماضي، فهم يذهبون إلى بغداد بوفود منفصلة لأول مرة منذ سقوط صدام حسين، ولم يعد باستطاعتهم حتى الآن توحيد ممثلين عنهم في حوارات تشكيل الحكومة.وسيتيح هذا الانقسام لأطراف شيعية كثيرة ترجيح أن يجري اختيار ممثلي السُّنة والأكراد في المواقع السيادية كرئاستي الجمهورية والبرلمان، من الشيعة أنفسهم، ورغم إرادة أطراف مهمة في الطائفتين الأخريين، لكن هذا سيفتح باباً لمواجهةٍ داخل الشيعة أنفسهم، فالمقربون إلى إيران يفضلون شخصيات سنية وكردية ضعيفة لرئاستي البرلمان والجمهورية، مقابل صوت شيعي يختبر إمكانية الاستعانة بشخصيات قوية من المكونات الأخرى، ليصبح ممكناً استئناف الحوار الوطني والحديث عن تسوية كبيرة للخلافات تناسب مرحلة ما بعد الحرب على «داعش»، والآثار المحتملة للمواجهة التي تتصاعد بين إيران والغرب.