المكسيك في قبضة اليسار للمرة الأولى بعد فوز أوبرادور
«أملو» الشعبوي يجدد التزامه بمحاربة الفساد ولن يفرق بين صديق وخصم... وترامب أول المهنئين
استطاع أندريس أوبرادور تحقيق فوز تاريخي في الانتخابات الرئاسية بالمكسيك، ووصل بذلك اليسار إلى السلطة للمرة الأولى في بلد يستشري فيه الفساد، ويشهد موجة عنف غير مسبوقة، ويعتبر ثاني اقتصاد في أميركا اللاتينية.
حقق أندريس مانويل لوبيز أوبرادور فوزا ساحقا في انتخابات الرئاسة بالمكسيك، ممهدا الطريق لوصول أكثر الحكومات انتماء لليسار في تاريخ الدولة الديمقراطي إلى السلطة، في وقت يخيم التوتر على العلاقات مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.وقال الرئيس المكسيكي الجديد بعد فوزه أمس الأول، إنه لن يفرق بين الأصدقاء والخصوم في حملة تستهدف الفساد.وأظهر إحصاء سريع أجرته لجنة الانتخابات حصول أوبرادور، الذي سيصبح أول رئيس يساري للمكسيك منذ انتهاء حكم الحزب الواحد عام 2000، على ما يتراوح بين 53 و53.8 في المئة من أصوات الناخبين، وهو ما يعادل أكثر من مثلي ما حصل عليه أقرب منافسيه.
أكبر فارق
ويعد هذا أكبر فارق يحققه مرشح منذ أوائل الثمانينيات، وسيمنح لوبيز أوبرادور الملقب «أملو» (الأحرف الأولى من اسمه) سلطة قوية للتعامل مع مشاكل المكسيك الداخلية والتصدي لتحديات خارجية، مثل خطر نشوب حرب تجارية مع الولايات المتحدة.لكن لم يتضح بعد ما إذا كان أوبرادور قد حقق ما يكفي للفوز بأول غالبية مطلقة في الكونغرس منذ أكثر من 20 عاما.وقال أوبرادور للصحافيين بعد فوزه إن الفساد يعد «السبب الأساسي» للظلم والعنف الإجرامي اللذين عانت منهما المكسيك لسنوات، وأضاف أنه لن يستثني أحدا خلال جهوده لاجتثاث الفساد.وتابع: «سيعاقب المذنب أيا كان، ويشمل ذلك الزملاء والمسؤولين والأصدقاء والأسرة».وتعتبر نتيجة هذه الانتخابات هزيمة ساحقة للحزب الثوري التأسيسي الحاكم المنتمي لتيار الوسط الذي حكم المكسيك من عام 1929 حتى عام 2000 ثم مجددا منذ عام 2012.وكان الغضب العام من فضائح الفساد التي دمرت مصداقية الحزب الحاكم عاملا رئيسا خلال حملة الانتخابات، إضافة إلى الاستياء من تصاعد مستويات العنف والنمو الاقتصادي الضعيف على مدى سنوات.وسيتولى أوبرادور الرئاسة في ديسمبر المقبل، ليصبح في مواجهة حكومة أميركية معادية للمكسيك على نحو صريح فيما يتعلق بالتجارة والهجرة.وقال الرئيس الجديد المنتخب إنه يرغب في جعل المكسيك أكثر استقلالا عن الولايات المتحدة من الناحية الاقتصادية. وعبّر في الوقت نفسه عن أمله في إقناع ترامب بالمساعدة على تنمية المكسيك وأميركا الوسطى، سعيا لاحتواء الهجرة غير المشروعة.ومع تعهده بالقضاء على الفساد والتصدي لعصابات المخدرات بأسلوب أقل اعتمادا على المواجهة المباشرة، يحمل أوبرادور معه توقعات كبيرة من مؤسسة الرئاسة، بينما سيراقب المستثمرون القلقون عن كثب جهوده للحد من انعدام المساواة.وخلال دقائق من ظهور نتيجة استطلاع آراء الناخبين، أقر منافساه، الشاب المحافظ ريكاردو أنايا، الزعيم السابق لـ «حزب العمل الوطني» المنتمي ليمين الوسط، وخوسيه أنطونيو ميادي، مرشح «الحزب الثوري التأسيسي» الحاكم، بالهزيمة.واحتشد عشرات الآلاف في ميدان زوكالو وسط العاصمة، حيث ألقى أوبرادور كلمة بعد منتصف الليل.ديمقراطية حقيقية
وقال أوبرادور في كلمته «سيحاول المشروع الجديد للأمة السعي إلى ديمقراطية حقيقية». وتعهد باستقلال البنك المركزي والحرص فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية واحترام حريات الأفراد.وأكد السياسي اليساري المخضرم (64 عاما): «أعي مسؤوليتي التاريخية (...) سأدخل الرئاسة بصفتي رئيسا جيدا، وأريد أن يسجلني التاريخ كرئيس جيد للمكسيك». وأضاف بينما كان محاطا بزوجته وأبنائه أمام الحشود التي لوحت برايات حزبه «التجديد الوطني» المعروف اختصارا باسم (مورينا) اليساري الشعبوي، خلال التجمع في ميدان زوكالو وسط مكسيكو سيتي، «لن أخيب أملكم... إن ثورة الضمائر انتصرت». وفي بلدة تبيتيتان الصغيرة مسقط رأس أوبرادور الواقعة بولاية تاباسكو في الجنوب، احتشد جيرانه في ميدان البلدة، وانطلقت الموسيقى، وقاد الأطفال الدراجات، وأطلق السائقون أبواق السيارات احتفالا بفوزه.وهللت خوسيفا ديل كارمن باز رييس، وهي محامية (68 عاما)، فرحا بفوز صديق طفولتها.وقالت: «إنه أمر غير مسبوق. كل ما حدث في تاباسكو وفي المكسيك. كنا بانتظار هذا التغيير، والآن تحقق».تحديات هائلة
وسيكون على أوبرادور مواجهة تحديات هائلة. فإلى جانب مكافحة الفساد، سيكون عليه تنفيذ وعده «بتحجيم» الرئيس ترامب الذي هدد بإلغاء اتفاق التبادل الحر لأميركا الشمالية، ورأى ان المكسيك «لا تفعل شيئا» ضد الهجرة غير الشرعية القادمة من أميركا الوسطى.وشكل العنف محور الحديث خلال الحملة الانتخابية، حيث طال عددا كبيرا من المرشحين او الناشطين على الأرض.وأفاد مكتب الدراسات «إيتيليكت» بأن الحملة الانتخابية الأخيرة اعتبرت «الأكثر دموية» في تاريخ المكسيك، وشهدت اغتيال 145 سياسيا على الأقل - بينهم 48 مرشحا أو شخصية كانت تنوي الترشح.وقتل ناشطان على الأقل، الأحد، هما ناشطة من حزب العمال (معارضة) في ولاية ميشواكان (غرب)، ومرشح للحزب الحاكم في ولاية بويبلا (وسط).كما قتل أكثر من مئتي ألف شخص في البلاد منذ 2006 وبدء الحرب ضد تهريب المخدرات بمساعدة الجيش.العمل مع ترامب
وأدت النزعة الوطنية عند لوبيز أوبرادور وطبيعته العنيدة وانتقاداته لخصومه لمقارنات بينه وبين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي كان أول المهنئين بفوزه.وفي تغريدة على «تويتر»، كتب ترامب: «أتطلع كثيرا للعمل معه. هناك كثير مما يتعين القيام به وسيفيد الولايات المتحدة والمكسيك».ورد أوبرادور بالتأكيد على انه يريد إقامة علاقات «صداقة وتعاون» مع الولايات المتحدة، ووعد بإحداث «تغيير عميق» في البلاد. وقال: «مشروعنا الوطني يطمح الى ديمقراطية حقيقية. لا نتطلع الى إقامة حكم دكتاتوري، لا في الظاهر ولا في السر»، واعدا بحماية الحريات واحترام القطاع الخاص.وهنأ رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أيضا الرئيس المكسيكي المنتخب، مؤكدا أن كندا والمكسيك «صديقتان وشريكتان منذ فترة طويلة».وقال ترودو: «تجمعنا أهداف مشتركة (...) نقيم علاقات تجارية تعود لفائدة الطرفين وتثير حسد بقية العالم». وأضاف أن «الدليل على ذلك جهودنا المشتركة التي تهدف للتوصل الى اتفاق التبادل الحر لأميركا الشمالية للقرن الحادي والعشرين».من جهته، كتب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في تغريدة على «تويتر»: «أهنئ الشعب المكسيكي ورئيسه المنتخب، وآمل أن يفتح ذلك الطرق واسعة من أجل سيادة وصداقة شعبينا».وقال الرئيس البوليفي إيفو موراليس: «نحن واثقون بأن حكومتكم ستسطر صفحة جديدة في تاريخ كرامة وسيادة أميركا اللاتينية»، مؤكدا: «نريد أميركا لاتينية مستقلة وانتصار أخينا لوبيز أوبرادور يعد بتحرير أوطاننا من أجل بناء جسور التكامل بدلا من جدران التمييز».وعبر رئيس الإكوادور لينين مورينو عن «خالص تمنياته» للمكسيكيين، ودعا الى «مواصلة تعزيز العلاقات وجلب الأمل».