تتلخص فكرة معرض «ملتقى التقاليد الثلاثة حول فن الخط في مصر 2018» في إعادة كتابة أبيات مختارة من ملحمة «الكوميديا السوداء» على يد خطاطين عالميين بارزين، باللغة والخط المختارين من اللغة الصينية إلى العربية إلى الإيطالية، ومن الكوفي إلى الديواني إلى التوسكاني.مدير المركز الثقافي الإيطالي في القاهرة، باولو ساباتيني، قال إن المعرض الذي تنظمه شبكة المعاهد الثقافية الإيطالية في العالم، يأتي ضمن مشروع دولي كان المعهد الثقافي الإيطالي أطلقه في القاهرة، ويستهدف إعادة النسخ الخطي والغرافيكي، لأبيات من الملحمة الشعرية المعروفة باسم «الكوميديا الإلهية»، التي كتبها دانتي.
وأضاف ساباتيني، في تصريحات له مع افتتاح المعرض، أن دانتي بدأ كتابة ملحمة «الكوميديا الإلهية» عام 1308 وانتهى منها عام 1321 ميلادية، لتكتب أبيات الملحمة بأيدي فناني الخطوط في ثلاث دول تمثل ثقافات مختلفة، هي: مصر والصين وإيطاليا، لافتاً إلى أن الحضارات الثلاث المصرية والصينية والإيطالية، التي شاركت في المعرض، يجمعها الولع والشغف بفن الخط، كشكل من أشكال الفنون، ما جعل المعرض، مصدر إلهام متفرداً ومفعماً بالأسرار، وذلك للمرة الثانية، بعدما أُقيم في دورته الأولى في مدينة الأقصر التاريخية، في صعيد مصر في سبتمبر 2017.ومن بين أبرز المشاركين في المعرض هذا العام، الفنانة التشكيلية الإيطالية أنتونيلا ليوني التي تكتب لوحاتها بالخط العربي، ونجحت في جذب رواد المعرض بلوحاتها، وهي واحدة من فنانات إيطاليا الشهيرات اللواتي تميزن بإجادة فن الخط العربي وإبداع لوحات فنية باستخدام خطوطه، إلى جانب الخطاطين الذين شاركوا من مصر والصين.ويستمر المعرض شهراً، ويتميز بوجود مجموعة من المخطوطات الأصلية النادرة لأشعار ملحمة الكوميديا الإلهية لدانتي، وترجع إلى القرن الخامس عشر، نُقلت من المتاحف الإيطالية لعرضها لجمهور معرض الكوميديا الإلهية في مصر، للمرة الأولى.
الكوميديا ورسالة الغفران
الموضوع الرئيس لملحمة «الكوميديا الإلهية» هو الحياة بعد الموت، ودانتي الشخصية الرئيسة فيها، وتنقسم إلى الجحيم والمطْهر والجنة (الفردوس). أطلق عليها دانتي الكوميديا لأنها انتهت نهاية سعيدة، ثم أضافت إليها الأجيال اللاحقة صفة الإلهية. ورأى كثير من المتخصصين في الدراسات الأدبية تشابهاً كبيراً بين «الكوميديا الإلهية» و«رسالة الغفران» التي كتبها أبو العلاء المعري (449هـ - 1057م)، رداً على رسالة وجهها إليه منصور الحلبي المعروف بابن القارح، يسأله فيها من بين جملة من الأمور عن التاريخ والفقه والتصوف والأدب والنحو والسيرة النبوية والزندقة.ويظهر التشابه الشديد بين العملين، إذ إن «رسالة الغفران» عبارة عن رحلة خيالية مدهشة إلى الدار الآخرة (الجنة ثم الجحيم)، و«الكوميديا الإلهية» كذلك تبدأ بالجحيم، والمعري اتخذ له رفيقاً في الرحلة يحاوره هو ابن القارح، بينما دانتي اتخذ الشاعر الروماني «فرجيل» رفيقاً له.مقطع من قصيدة «الكوميديا الإلهية»
«في منتصف طريق حياتنا، وجدت نفسي في غابة مظلمة إذ ضللت سواء السبيل..آه ما أصعب وصف هذه الغابة الموحشة الكثيفة القاسية التي تجدد ذكراها لي.. الخوف.إنها شديدة المرارة حتى لا يكاد الموت يزيد عنها، ولكن كي أتناول ما وجدت هناك من خير، سأتكلم عن أشياء أخرى وجدتها فيها.لا أحسن أن أقول كيف دخلتها، فقد كنت مثقلاً بالنوم في اللحظة التي حدت فيها عن طريق الصواب.لكن بعدما بلغت أسفل تل ينتهي عنده ذلك الوادي الذي مزق مرآة قلبي من الخوفنظرت إلى أعلى ورأيت منكبيه وقد كستهما أشعة الكوكب الذي يهدي الناس في كل طريق.عندئذ هدأ قليلًا الخوف الذي بقي في بحيرة قلبي طوال الليلة التي قضيتها في أسى شديد».