ترامب يحاول زعزعة الاتحاد الأوروبي
بينما يتوجه ترامب إلى أوروبا الشهر المقبل للمشاركة في قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومن ثم لقائه التاريخي مع الرئيس الروسي بوتين، تطغى هجماته الشخصية ضد الاتحاد الأوروبي وعدد من أعمدة النظام الأوروبي الأخرى على محاولات إدارته طمأنة الحلفاء والتأكيد لهم أن الولايات المتحدة ما زالت تؤمن بالمشروع عبر الأطلسي الذي قادته منذ أربعينيات القرن الماضي.خلال لقاء خاص في البيت الأبيض، ناقش ترامب المسائل التجارية مع إيمانويل ماكرون، وفي مرحلة ما، سأل الرئيس الأميركي ماكرون: "لمَ لا تنفصل عن الاتحاد الأوروبي؟"، وأضاف أنه سيمنح فرنسا، إذا خرجت من الاتحاد الأوروبي، صفقة تجارية ثنائية بشروط أفضل مما يحصل عليه الاتحاد الأوروبي ككل من الولايات المتحدة، حسبما أخبر مسؤولان أوروبيان، ولم ينفِ البيت الأبيض رواية المسؤولين، إلا أنه رفض التعليق عليها.لنضع جانباً فكرة أن اقتراح ترامب يكشف عن نقص أساسي في فهم وجهات نظر ماكرون ومَن انتخبوه، فقد قدّم الرئيس الأميركي في تلك اللحظة حافزاً لتفكيك منظمة تضم حلفاء للولايات المتحدة مخالفاً سياسة الحكومة الأميركية المعلنة.
يندد ترامب علانية بالاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي منذ انطلاق حملته، إلا أن وتيرة هجماته وحدتها تفاقمتا، وهكذا نرى ميلاً يزداد عمقاً ويقودنا إلى خلاصة حتمية: لا يؤمن ترامب باستمرار حرمة الاتحاد الأوروبي والناتو والتزام الولايات المتحدة تجاههما.يردد المدافعون عن ترامب غالباً أنه يطرح الأفكار فحسب ليرى ما يحظى بالدعم منها، ويزعم البعض أيضاً أن دوافعه سياسية ومحلية في المقام الأول أو أنه يتكلم ولا يفعل، كذلك يتمسك كثيرون بأمل أن يتمكن كبار مسؤولي الرئيس الدبلوماسيين والعسكريين رغم ذلك من تطبيق سياسة سليمة، وطمأنة الحلفاء، وضبط ترامب، وتفادي أي كارثة حقيقية.كان ذلك ممكناً خلال السنة الأولى من عهد ترامب، واطمأن الحلفاء الأوروبيون نسبياً، ولكن خلال سنته الثانية، عمل ترامب حتى اليوم على التخلص من كل الضوابط السابقة، فلا يستطيع فريق الأمن القومي في إدارته سوى السعي إلى التخفيف من المخاوف ومحاولة دمج شعار ترامب "الولايات المتحدة أولاً" باستراتيجية مسؤولة. ذكر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو خلال مقابلة معه أخيراً أن الرئيس يحاول "إعادة ضبط" نظام العالم الليبرالي لا تفكيكه، فقد تعمد ترامب "إحداث خلل" بغية إرغام الحلفاء على الموافقة على الإصلاحات الضرورية التي تعكس مصالح الولايات المتحدة، حسبما أكّد، أما مساعد وزير الخارجية ويس ميتشل، فوصف مقاربة ترامب بـ"التجديد الاستراتيجي"، مشيراً إلى أن معالجة الخلافات مثل التجارة بشكل مباشر يزيد الائتلاف قوة لمواجهة المنافسة الاستراتيجية مع روسيا والصين التي تكمن أمامه.لكن هذه المحاولات لطمأنة أوروبا تخفق، فما عاد المسؤولون الأوروبيون يصدقون أن من الممكن تجاهل كلمات ترامب، ولا يؤمنون بأن من الممكن إصلاح الجسر عبر الأطلسي وسط زلزال بحجم ترامب، لذلك لم يتبقَ أمام الدول الأوروبية أي خير غير السعي إلى التقليل من الخسائر والبحث عن بدائل للقيادة الأوروبية.ولكن إذا لم تشعر أوروبا بأن الولايات المتحدة تقف إلى جانبها، يكمن الخطر في أن تلتفت الأمم الأوروبية الفردية إلى قوى جيو-سياسية أخرى، ولا شك أن هذا سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة.لا شك أن آراء ترامب تتبع عن كثب آراء بوتين، وخصوصاً بشأن الوضع في القرم، ومساعدة أوكرانيا، وتدخل روسيا في الانتخابات الأميركية، ويشكّل هجوم ترامب ضد الاتحاد الأوروبي والعلاقة الأميركية-الأوروبية عموماً مكسباً استراتيجياً كبيراً لروسيا.نشبت بين الولايات المتحدة وأوروبا خلافات في الماضي، ومن الممكن أن يُحل هذا الخلاف أيضاً في نهاية المطاف، ولكن في الوقت الراهن، يتسبب ترامب بضرر كبير لا طائل فيه، وما عاد بالإمكان التغاضي عن أعماله العمدية والسافرة لتقويض الاتحاد الأوروبي والناتو وعلاقة الولايات المتحدة بهما أو تبريرها أو النظر إليها بخلاف ما هي عليه في الواقع: محاولة شائنة لزعزعة بنية تحتية تحتاج إليها الولايات المتحدة وأوروبا اليوم أكثر من أي وقت مضى.* جوش روجين*«واشنطن بوست»