الصين تصطاد شركاء تايوان القدماء في الأميركتين
قد تكون أميركا الوسطى ومنطقة الكاريبي بعيدتين جداً عن شرق آسيا، إلا أنهما تتحوّلان إلى ساحة معركة مهمة فيما تسعى تايوان إلى تفادي المزيد من العزلة الدولية.يعود قرار بنما السنة الماضية إلى قطع العلاقات مع تايوان إلى انضمامها إلى برنامج بكين للبنى التحتية العالمي الضخم، "مبادرة الحزام والطريق"، الذي صُمم للترويج للتنمية الاقتصادية والتواصل الإقليمي وفق شروط الصين، لكن الأمم الجزر الصغيرة النامية، مثل هايتي، وسانت لوتشيا، وسانت كيتس ونيفيس، تؤدي دوراً مهماً في استمرار علاقات تايوان الخارجية. لا تعتمد أدوات اقتصاد تايوان القوي على الاعتراف الدبلوماسي الرسمي بقدر اعتمادها على مصالحها المالية التي تمثلها مكاتب تجارية في الخارج وعلى شركاء تجاريين يلتزمون بسياسة "الصين الواحدة"، لكن عدد شركائها الدبلوماسيين المتناقص ما زال يمدها بعملة من نوع آخر: صوت مستعد لدعم مشاركة تايوان في منظمات دولية مثل منظمة التجارة العالمية والأمم المتحدة، مشكلاً نوعاً من التوازن في وجه الصين. صحيح أن تايوان تعجز عن منافسة دبلوماسية الكرم السخي التي تطبقها بكين، إلا أنها تعزز روابطها بأمم الكاريبي لأنها تقدّم لها وسيلة تروّج من خلالها رسالتها عن "معجزة تايوان"، التي تشكّل أساس السياسة الخارجية التايوانية خلال عهد الرئيسة تساي إنغ ون. على الأرض تُعتبر الاستثمارات والمساعدة الخارجية أداوت تايوان الأبرز في منطقة الكاريبي، فقد استثمرت تايوان في البنى التحتية، والزراعة، ومشاريع أخرى من خلال صندوقها الدولي للتعاون والتنمية، قد تختلف المشاريع المحددة باختلاف الدول، إلا أنها تُصمم كلها لمعالجة مشاكل الأمم الجزر الصغيرة، سواء كانت الاستدامة، أو الرعاية الصحية، أو الزراعة، أو التكنولوجيا.على سبيل المثال عززت سانت لوتشيا تقرّبها من تايوان، فتستقبل هذه الدولة الوفود التجارية بانتظام من تايبيه، وتعهدت تايوان السنة الماضية بتخصيص 5.3 ملايين دولار لبرنامج سانت لوتشيا للتنمية الشعبية، وهو صندوق هدفه تحفيز النمو الاقتصادي وتأمين المزيد من الوظائف، وتشير الحكومة التايوانية إلى أن روابطها الاستثمارية والاقتصادية خلال العقد الماضي أمنت أكثر من 20 ألف وظيفة في سانت لوتشيا وموّلت أكثر من 1500 مشروع. ورغم الخلافات السياسية الداخلية في هذه الجزيرة حول علاقتها مع تايوان، يُظهر تعيين سفير جديد في شهر مايو استمرار العلاقات في الوقت الراهن. قد تكون قطعة الدومينو التالية التي تسقط هايتي، التي استقطبت اهتمام المستثمرين الصينيين، فقد تعهدت الصين بتمويل مشروع بنى تحتية ضخمة بقيمة خمسة مليارات دولار في العاصمة الهايتية بورت أو برانس، صحيح أننا لم نشهد أي ربط علني للمساعدات بالاعتراف الدبلوماسي بالصين، لكن السياسيين الهايتيين لم يقدّموا سوى تأكيد مبطن لعلاقاتهم القديمة بتايبيه، فقد أعلن وزير الاتصالات الهايتي خلال مؤتمر صحافي في بورت أو برانس الشهر الماضي: "يتحرك كل بلد في هذا الاتجاه أو ذاك، ولكن في الوقت الراهن، تملك هايتي علاقات دبلوماسية مع تايوان". تشمل تقدمات بكين محطات لمعالجة المياه، ومحطات طاقة، وطرقات، وسكك حديدية، فضلاً عن مساكن بأسعار مقبولة في هايتي، التي لم تتعافَ بعد من تأثيرات زلزال عام 2010 المدمر، ويترافق سخاء بكين أيضاً مع وعد بتأمين 20 ألف وظيفة، لكن هذه لا تُعتبر أول مرة تكون فيها هايتي محوراً غير متوقع لتقاطع العلاقات بين الصين وتايوان. بعد زلزال عام 2010 سارعت تايبيه وبكين كلتاهما إلى مساعدة هايتي على النهوض، فشكّلت هذه إحدى لحظات التعاون النادرة التي تفادت فيها تايوان والصين المساعدات المسيّسة، ولكن في تلك المرحلة أيضاً، كان يمسك بزمام السلطة في تايوان الرئيس ما يينغ جيو الموالي لبكين وكانت الهدنة الدبلوماسية القائمة على ما دُعي توافق عام 1992 تحد من محاولات بكين استمالة حلفاء تايوان. أما اليوم فتنظر بكين بعين الريبة إلى الرئيسة تساي.
صحيح أن تايوان كانت حليفاً سخياً لهايتي في الماضي، إلا أن الحنين وحده لن يكون كافياً على الأرجح لمنافسة محفظة الصين الأكبر بكثير، وإذا فضّلت هايتي الصين على تايوان، فلن تكون الوحيدة التي تتخذ قراراً مماثلاً في هذه المنطقة.* غاريد ورد*«ورلد بوليتيكس ريفيو»