تتناقض الإجراءات الحكومية بشأن مخاوفها من نفاد صندوق الاحتياطي العام مع إجراءاتها الفعلية في التعامل مع السيولة المتوافرة في الصندوق، بما يقلل جديتها في معالجة أي انخفاض في قيمته، فضلا عن قدرته على تمويل المصروفات خارج الميزانية على المدى المتوسط.ففي بداية يونيو الماضي، عبر وزير المالية د. نايف الحجرف عن مخاوفه من «أن السيولة في صندوق الاحتياطي العام في طريقها للنفاد، في فترة تتراوح بين سنتين و10 سنوات، ما لم يتم اتخاذ الإصلاحات المالية المطلوبة»، ولم يمض على تصريح الوزير 20 يوما حتى أعلنت الحكومة سحب 923 مليون دينار من الاحتياطي العام، لتغطية حساب «العهد»، ولم يكتمل الشهر حتى اتخذت الهيئة العامة للاستثمار، بصفتها المديرة لصندوق الاحتياطي العام - إلى جانب صندوق احتياطي الأجيال القادمة - قرارا يسهل السحوبات الحكومية من الاحتياطي العام، عبر اعتماد استراتيجية استثمار قصيرة الأجل في إدارة نقد صندوق الاحتياطي العام، لإمكان التخارج منها بسهولة حالما طلبت الحكومة مزيداً من السحوبات في ظل استمرار نمو المصروفات العامة.
سحوبات مستمرة
ويبلغ حجم الاحتياطي العام، حسب التصريحات الرسمية، 26.4 مليار دينار -قبل سحب الـ923 مليونا- أي إنه فقد أكثر من نصف قيمته خلال 6 سنوات من سحوبات حكومية معظمها ليس لها عائد مالي أو اقتصادي، إذ تركزت هذه السحوبات على تمويل النفقات خارج الميزانية، مثل النفقات العسكرية، والتزامات الدولة في رساميل شركات حكومية أو هيئات محلية أو دولية ومؤسسة الرعاية السكنية وبنك الائتمان وصندوق الأسرة، وتغطية العجز الاكتواري للتأمينات الاجتماعية، مع العلم أن معظم هذه المؤسسات يمكن أن تقدم حلولا استثمارية لتمويل نفسها بعيدا عن احتياطيات الدولة... أما النفقات العسكرية، التي شهدت خلال السنوات الأخيرة نموا لافتا، فمن المفترض أن تخضع لسياسات إعادة الضبط أو الخفض أو الترشيد، نظرا لكلفتها العالية، التي بلغت في إحداها 6 مليارات دينار، على مدى 10 سنوات.مصروفات الميزانية وخارجها
المصروفات المستقطعة من الاحتياطي العام لا تظهر في أبواب الميزانية العامة، مما يجعل مصروفات ميزانية الكويت خلال السنوات الأخيرة أكبر من حجمها المعلن بمتوسط يتجاوز 30 في المئة، ويعجل بنفاد الاحتياطي العام، فضلا عن أنه يعطي صورة ضعيفة المهنية عن الميزانية بأنها لا تعبر عن إجمالي المصروفات الحقيقية للدولة، وبالتالي لا يمكن التعامل معها من ناحية كمعيار مالي أو محاسبي للعجز أو الفائض، ومن ناحية إدارية في كفاءة الإنفاق وتنمية الإيرادات. واللافت أن نمو المصروفات خارج الميزانية، وبالتالي سحوبات الاحتياطي العام، تزامنا مع رفع وزارة المالية لإنفاق ميزانية عام 2018-2019 بـ1.5 مليار دينار، بما يوازي 7.5 في المئة عن الميزانية الأولية البالغ إجمالي مصروفاتها 20 مليار دينار لأسباب معظمها غير جوهرية أو معروفة سلفا عند إعداد الميزانية، كتعويضات من العسكريين أو تسوية حساب العهد أو ميزانية التعزيز للحرس الوطني ومكافآت نهاية الخدمة للمدرسين وتعويض نقص مخزون الأدوية.استدانة بلا عوائد
وإذا كان نمو المصروفات من داخل وخارج الميزانية، وما يترتب عليه من سحوبات من الاحتياطي العام مشكلة، فإن الحل الحكومي يعبر عن أزمة إدارة، فصناع القرار يرون أن أهم معالجة للاحتياطي العام تكمن في الإسراع بإقرار قانون يسمح للحكومة برفع سقف الديون السيادية إلى 25 مليار دينار، ومد فترة الاقتراض إلى 30 عاماً، وهو أمر تكتنفه مخاطر عديدة لا تتعلق بمبدأ الاقتراض ولا الفوائد المترتبة عليه، بل في اتخاذ الاستدانة كخيار لتغطية الإنفاق المتنامي في الميزانية وخارجها، خصوصا أن جل الإنفاق العام، حتى ذلك المصنف بـ»الاستثماري»، لا يعطي الدولة عوائد مالية أو اقتصادية على المدى البعيد، لاسيما في ظل اختلالات سوق العمل أو التركيبة السكانية أو ضآلة الإيرادات غير النفطية.إيرادات نفط واستدانة
الاستدانة التي لا تواكبها إصلاحات اقتصادية ومالية عميقة يمكن أن تؤدي إلى أزمة تعثر عن السداد، وهذا ليس مبالغة في التشاؤم كون مالية الكويت كانت قبل نحو 8 سنوات تسجل أعلى مستويات الفوائض عالميا، مقارنة بالناتج المحلي، فتحولت بعدها إلى تحقيق مستويات من العجز المالي اضطرها إلى الاستدانة من الأسواق الدولية والمحلية، بما يوازي 4.5 مليارات دينار، أي 13.6% من حجم الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في نهاية مارس الماضي، حسب بيانات بنك الكويت المركزي... وبالتالي فإن إمكانية التعثر عن سداد الالتزامات المالية تبقى فرضية قائمة طالما كانت الإيرادات تعتمد أساسا على النفط، بكل ما يحدث فيه من تقلبات وأحداث تشير بوضوح إلى أن كبار المستهلكين لن يسمحوا بصعود الأسعار، بما يطمئن دولة مثل الكويت، تتوسع في الإنفاق من الميزانية وخارجها، معتمدة على إيرادات سوق نفط متقلب واستدانة غير حصيفة.