إلى اللقاء
عدة مرات كان الراحل محمد مساعد الصالح يختم مقالاته قبل سفره في إجازاته بعبارات مثل "أنا ذاهب في إجازة، رافقتني السلامة في حلي وترحالي"، وسألته: "لماذا تعلن عن إجازتك؟"، وكان يجيب بسخريته المعتادة: "أعرف تقريباً أنه لا أحد يكترث لغياب الزاوية... وهذا الإعلان أواسي به نفسي"، الله يرحم "أبوطلال"، كان يعرف أن الكثيرين يتابعون زاويته اليومية التي يكتبها في العادة قبل فترة بسيطة من نشرة أخبار الساعة الواحدة ظهراً، التي يستمع إليها بنمطية متكررة من راديو ماركة ناشيونال قديم متدثر بجلد بني، ومع ذلك يسجل ملاحظته الساخرة بعدم أهمية ما يكتبه، وعدم اهتمام أحد لحضوره أو غيابه في البلد، فهو كاتب في صحيفة لا أكثر، ولن تقدم مقالاته أو تؤخر شيئاً في عالم محتكر من ملاك السيادات السياسية والمالية.بعد خمسين عاماً من الكتابة اليومية يصل أبوطلال إلى قناعة مؤكدة بالتأثير المحدود جداً للكلمة المكتوبة أو غياب أثرها على أصحاب القرار السياسي أسياد "حزب البخاصة" من جهة، وعدم تفاعل الرأي العام في الأكثر مع قضايا منشورة قد تكون مهمة من جهة أخرى. محمد مساعد كان يكتب قبل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، التي أضحت مصدراً لثقافة سطحية في المجتمع، فالكثيرون يهتمون، اليوم، بمتابعة خمس أو ست كلمات عابرة في تويتر "تفش خلقهم" أو يفضلون متابعة مقال ساذج هم كاتبه أن يقول "أنا أكتب في صحيفة إذن أنا موجود" بأكثر من أن يكون الكاتب صاحب قضية لتنوير الوعي العام بالنقد، وتحفيزه للتغيير السياسي والاجتماعي، مثل تلك الكتابات الجادة التي تحاول أن تقدم شيئاً رغم السلاسل الصدأة التي تكبل حرية الكلمة، سواء تمثلت هذه في قوانين النشر والجزاء بعباراتها المطاطة القمعية إلى مصالح جماعات النفوذ المهيمنة ووعي عام محافظ متزمت تنمو فيه طحالب بشرية انتهازية تستغل مشاعر الجمهور المحافظ، وتتسابق لتقديم البلاغات الجزائية ضد كل من عبر عن رأيه بحسن نية، لا تجد لها سوقاً ولو محدوداً في عالم الخواء الريعي.
هي أزمة ثقافة ووعي عام وتدهورهما في العقود الثلاثة الأخيرة، سواء هنا في الكويت أو في دول الخليج أو معظم عالم البؤس العربي، مثلما هي أزمة فساد سياسي تتطور وتنمو مع نمو قوة وتسلط الأنظمة، ولا يوجد هناك مؤشر لقياس هذا التردي، فالمال السياسي مثلما اشترى الذمم والأقلام، وتاجر بحاجات البشر المغلوب على أمرهم، استطاع أيضاً قمع أكبر محاولة للتغيير تمثلت في ربيع 2011.لا يبقى في النهاية غير الحلم بأمل قادم للتغيير، ولأختم المقال بعبارة أبوطلال المعتادة "... أنا ذاهب في إجازة ورافقتني السلامة في حلي وترحالي"...!