ترامب يكره المنظمات الدولية
يحيط بقمة مجموعة الدول السبع الكارثية الشهر الماضي، منذ انتهائها، فيض من الأقاويل، فكان سلوك ترامب في الكواليس أكثر سوءاً مما شهدناه في العلن، إذ أعرب عن فظاظة لا مبرر لها، وخصوصاً عندما رمى قطعتَي حلوى "ستاربورست" على الطاولة، وقال مخاطباً المستشارة الألمانية: "خذي ميركل. لا تقولي إنني لم أعطك شيئاً". كذلك تصرف بعدائية وجهل: "حلف شمال الأطلسي سيئ بقدر نافتا، فهو يكلّف الولايات المتحدة كثيراً". ثم ذكر ترامب حلف شمال الأطلسي، واتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، ومنظمة التجارة العالمية، والاتحاد الأوروبي معاً، معتبراً إياها منظمات يكرهها، وأضاف: "صُمم الاتحاد الأوروبي لاستغلال الولايات المتحدة"، فدفعت هذه التعليقات بالسفير الأميركي إلى إستونيا، وهو دبلوماسي مخضرم، إلى الاستقالة بعدما اعتبر هذه الكلمات "خطأ بكل معنى الكلمة" ودليلاً على أن "الوقت قد حان للمغادرة".صحيح أن كره ترامب لحلفاء الولايات المتحدة واضح منذ عقود، غير أن هذا الكره يتحول اليوم إلى سياسة واضحة: يستعد الأوروبيون لدولة أميركية ما عادت تعتبر منظمات الدفاع والأمن مميزة وضرورية. على العكس يرى ترامب في التزامات الولايات المتحدة تجاه كل المؤسسات التي يكرهها أوراق مقايضة، فضلاً عن أنه مستعد لاستعمال الجنود الأميركيين في أوروبا للحصول على تنازلات في التجارة وغيرها من المجالات، وقد يستخدم لقاءه أيضاً مع بوتين للغرض عينه: ترهيب البريطانيين، والألمان، وغيرهم ممن يخشون سلوك روسيا العدائي وإرغامهم على القيام بما يريده في أي مجال يبدو مهتماً به، وهكذا يعتبر ترامب كل المسائل مباحة.
قد يطلب من الألمان تقويض قطاع السيارات الألماني مقابل إبقاء الجنود الأميركيين في هايدلبرغ، وربما يفرض على البريطانيين تفليس مزارعيهم مقابل وعود بمناورات مشتركة، أما الدول الصغيرة، مثل إستونيا وليتوانيا، فحظها بائس: لا تملك أوراق مقايض كثيرة في لعبة المراهنة الجديدة هذه، وقد تُمنح لبوتين بسعر بخس إذا أرادها. لكن السؤال الأكثر أهمية الذي ينشأ هنا: ما الثمن الذي يكون الناخبون الأميركيون مستعدين لدفعه لقاء القبول بهذه القواعد الجديدة؟ إليكم إحدى العواقب المحتملة: إذا اتضح أن الولايات المتحدة ما عادت تدعم ضمانات حلف شمال الأطلسي الأمنية أو تدعمها في بعض الدول دون سواها، فهل يتبقى لهذا الائتلاف أي قيمة؟ قد ينهار هذا الائتلاف بأكمله ويصبح حلف شمال الأطلسي لا قيمة له. وهكذا تجد الولايات المتحدة نفسها وحيدة على طاولة المراهنات، فمن دون قواعدها الأوروبية، لا تعود الولايات المتحدة قوة في أوراسيا، ولا شك أن الجيش الأميركي سيواجه صعوبة في نشر قوته العسكرية في الشرق الأوسط أو إفريقيا، وربما تحل روسيا أو الصين محل الولايات المتحدة كقوة مهيمنة، وخصوصاً إذا انهار الاتحاد الأوروبي، ومن ثم تضع القواعد التجارية، أهذا ما نرغب فيه؟من المخاطر الأخرى أن يكون للحروب التجارية المقبلة وقع كبير لا على شركة هارلي ديفيدسون وحدها، فتُعتبر الشركات الأميركية المتعددة الجنسيات المستفيد الأكبر من الاتفاقات التجارية حول العالم، وإذا لم تعُد الأسواق الأميركية مفتوحة أمام الشركات الأوروبية، فلمَ تظل، إذاً، أوروبا مفتوحة أمام "أمازون"، و"فيسبوك"، و"جنرال موتورز"؟ قد يقرر الأوروبيون فرض ضرائب ورسوم جمركية جديدة أو استخدام قوانين مكافحة الاحتكار في محاولة لكسر سيطرة الشركات الأميركية الكبرى. لطالما حمل النظام العالمي، الذي تقوده الولايات المتحدة، أوجهاً سلبية للجميع، وقد شكّل سلسلة من المقايضات التي يجري التفاوض بشأنها: تربح القليل وتخسر القليل. لكن الولايات المتحدة كانت الفائز عموماً. ثمة أسباب دفعت بالإدارات الأميركية المتعاقبة إلى دعم منظمة التجارة العالمية، حلف شمال الأطلسي، نافتا، والاتحاد الأوروبي: مثّلت هذه المنظمات أساس القوة العسكرية الأميركية، فضلاً عن ثروة الولايات المتحدة وازدهارها. وإذا قوّض ترامب الثقة التي يقوم عليها هذا النظام، فقد يستحيل إنعاشه وقد تصبح أوروبا أكثر فقراً وأقل استقراراً نتيجة لذلك، لكن هذه ستكون حال الولايات المتحدة أيضاً.* آن أبلبوم