على بعد 230 كيلومتراً جنوب مدينة أسوان بمصر، يقع أحد أروع المعابد المصرية في التصميم المعماري ونقوشه وزخارفه. إنه معبد أبوسمبل الكبير، الذي شيده الملك رمسيس الثاني في منطقة النوبة، ويجاوره معبد أبوسمبل الصغير الذي خصصه الملك لزوجته الملكة نفرتاري والمعبودة حتحور. أُنقذا من الغرق عقب بدء العمل في تشييد السد العالي، وقبل اكتمال بنائه عام 1964 وتكوين بحيرة خلفه (بحيرة ناصر)، بعدما تعالت النداءات الدولية آنذاك لإنقاذ «أبوسمبل».في 8 مارس 1960، أطلقت منظمة اليونسكو حملة لإنقاذ آثار النوبة وكان منها معبدا أبوسمبل، وتقرر نقلهما. بدأ العمل في أبريل 1964، وكان التحدي كبيراً، فكان اقتراح فكرة تقطيع المعبد، ونقل القطع إلى مكان مجاور ثم إعادة تركيبها. كذلك تمّ بناء قبة صناعية خرسانية ليستقر المعبد في داخلها كي يأخذ شكله الأصلي، ويقف الآن على ارتفاع نحو 200 متر، ونُقل إلى الداخل مسافة 60 متراً.
لأسباب عدة، فإن معبدي أبوسمبل مهددان بشكل كبير، وألوان الرسوم الموجودة معرضة للاختفاء، وهو ما يحذر منه المعماري حمدي السطوحي منذ نحو 10 سنوات، إذ قدَّم مقترحاً لإنقاذ المعبدين إلى وزير الثقافة المصري الأسبق فاروق حسني، عام 2009، وتمت آنذاك دراسته من متخصصين، لكن لم يسفر الأمر عن شيء.يقول السطوحي لـ«الجريدة»: «لن أنسى كلمات الأثاري الراحل عطية رضوان (رئيس قطاع المتاحف الأسبق) عام 2009 ونحن داخل المعبد الكبير، وهو يشير إلى الرسومات العلوية قائلاً: شايف الألوان؟ إنها تختفي وكل يوم يختفي جزء منها! حدث ذلك خلال زيارة قمت بها مع قيادات وزارة الآثار لمناقشة مُقترحي بإقامة متحف توثيقي داخل فراغ الهيكل الخرساني، تتخطى أهدافه الأبعاد المعمارية والثقافية ليكون بمنزلة الرئة التي يتنفس من خلالها المعبد».ويوضح السطوحي: القبة الخرسانية تسبب احتباساً حرارياً، ما يؤثر في ألوان الرسومات داخل المعبد، ويؤدي إلى خفوتها بمرور الزمن، لافتاً إلى أن القبة الخرسانية كانت تفتح للزيارة، لكن اتُخذ قرارٌ بغلقها وعدم زيارتها، ما زاد من مشكلة الاحتباس، ومن هنا ظللت أبحث عن حل سريع إلى أن واتتني فكرة فتح فراغ القبة الخرسانية للتهوية في فترة المساء، وبالفعل تم اتخاذ قرار بفتح فراغ القبة من الساعة السادسة مساءً وحتى السادسة من صباح اليوم التالي، مع عمل أبواب من الشباك لضمان عدم دخول حيوانات وطيور إلى الداخل.يتابع: «في العام 2013 أسست حملة للاحتفاء باليوبيل الذهبي لعملية إنقاذ المعبدين، وتواصلنا مع الشركات التي نفذت عملية الإنقاذ على مستوى العالم، والتقينا مهندسين مصريين شاركوا في الإنقاذ، وحصلنا على معلومات ودراسات نادرة، واكتشفنا أننا إزاء أمور فنية دقيقة لا تتم مراجعتها ولا يوجد دليل استرشادي لكيفية صياناتها».
مكمن الخطر
يواصل السطوحي: «بعد نقل معبدي أبوسمبل، نُفِّذ هيكل خرساني ضخم مكوَّن من نصف قبة وقبو، بهدف تشكيل جبل اصطناعي، ومنذ ذلك الحين تحوَّل الجبل إلى «منشأ» تجب صيانته»، ومنذ 50 عاماً، وخلال مراحل الإنقاذ أدرك القيمون على التصميم والتنفيذ أبعاد المشكلة ووضعوا حلولاً فنية لها، وأجهزة للمراقبة والمتابعة».أبرز المشاكل، حسبما يشير السطوحي، طبيعة الحجر والخرسانة، فالحجر مسامي يسمح بمرور الهواء والحرارة من خلاله، على عكس الخرسانة ذات المسام الضيقة، ولحل المشكلة وُضع نظام لتهوية المعبدين من خلال الهيكل الخرساني، بتنفيذ فتحات في أسقف فراغات المعبد يمرّ من خلالها الهواء الساخن عن طريق أجهزة تسحب الهواء إلى داخل الهيكل الخرساني، حيث توجد ماكينة ضخمة عند بوابة الخروج تسحب الهواء إلى خارج الفراغ.يتابع: «المشكلة أن الماكينة الموجودة عند المخرج لا تعمل! وأن فراغ الهيكل الخرساني مغلق ولا تتم تهويته، من ثم فيه احتباس حراري يضاعف حرارة المعبدين، لذا فإن ألوان الرسومات الموجودة على الجدران مهددة بالاختفاء! علماً بأنني أستطعت أن أقنع قيادات وزارة الآثار عام 2009 باتخاذ قرار بفتح الفراغ للتهوية لمدة 12 ساعة يومياً، لكن تم إلغاء هذا القرار».ثمة أيضاً أجهزة مراقبة لقياس تمدد الخرسانة، كخراطيم الزيت الموجودة في فراغات بين حلقات الجسم الخرساني، والتي جُمعت داخل خزانة فيها عدادات قياس. وفي حالة تمدد الخرسانة تضغط على خراطيم الزيت الذي سيتحرك بدروه ليرفع القراءة داخل العدادات، لكن المفارقة ألا أحد يتابعها، وربما تعطلت، فالعدادات لا تُظهر أية قراءات!السطوحي دأب على إنقاذ «أبوسمبل»: «عقدنا ندوة عام 2017، بالتعاون مع نقابة المهندسين شارك فيها اثنان من المهندسين المشاركين في عملية الإنقاذ قبل 50 عاماً، هما عبدالمنعم بدران ومدحت عبدالهادي، وأوصت الندوة بضرورة مراجعة الأعمال الهندسية للهيكل الخرساني والمعبدين، ومراجعة أجهزة الرقابة الفنية وصيانتها مع إعداد كتيب استرشادي لكيفية التعامل معها مستقبلاً، وخاطبنا وزارة الآثار بذلك، لكن لم نتلق رداً حتى الآن»!