مع ترقب الحروب الاقتصادية... إلى أين تتجه الأموال وتستقر؟

نشر في 07-07-2018
آخر تحديث 07-07-2018 | 00:04
No Image Caption
مع دق طبول الحروب التجارية، التي قد تتحول لاقتصادية، بين الولايات المتحدة وبعض الدول -أبرزها الصين، يبدو الوضع الاقتصادي غائماً، وتزداد حالة عدم اليقين حول مستقبل الأسواق، ويثار القلق حول الاستثمارات الآمنة تقليدياً، ويصبح المستثمرون في حيرة من أمرهم حول الملاذات المناسبة لأموالهم حال اقتراب العاصفة.

ومع تصاعد حدة التوتر التجاري أخيراً مع قرار الإدارة الأميركية فرض قيود على الاستثمارات الصينية في المجالات التكنولوجية رغم تخفيف حدة اللهجة لاحقاً، ومع تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» لوزير الخزانة الأميركي «ستيفن منوتشين» بأن الإجراءات ضد الصين في هذا المجال ستتعداها مستقبلاً إلى دول أخرى إذا ثبت «سرقتها» للتكنولوجيا الأميركية، ليتضح أن الحرب التي بدأت تجارية مع الصين تتحول تدريجياً إلى اقتصادية، وقد تنتشر لتشمل أطرافاً أخرى.

ولا شك أن «مواجهة اقتصادية» بين الدولتين الأولى والثانية من حيث حجم الاقتصاد عالمياً من شأنها أن تغير كلة القواعد المستقرة حالياً، فضلاً عن إرهاصات اتساع المواجهات الاقتصادية مع أطراف أخرى، بما يفرض التساؤل حول ما يجب أن يفعله المستثمرون في المستقبل القريب حفاظاً على أموالهم.

ولعل أول ما يجب التنبه إليه يقيناً، هو ما أشارت إليه صحيفة «وول ستريت جورنال»، التي كشفت عن الإجراءات الأميركية ضد الاستثمارات الصينية، بأن الولايات المتحدة لم تعد الملجأ الآمن الأول للاستثمارات وأن شكوكاً كبيرة ستثار حول مدى «انفتاح» الاقتصاد الأميركي أمام الأجانب، بما يفرض البحث عن بدائل، لا سيما في ظل تصدر الولايات المتحدة للدول المستقطبة للاستثمارات خلال الأعوام الأخيرة.

وبشكل مباشر ستتأثر شركات التكنولوجيا الأميركية التي فرض ترامب عقوبات على الاستثمارات فيها، بما يخلق فرصة للاستثمارات «غير الصينية» بأن تعمل على إحلال نظيرتها الصينية تدريجياً، غير أن هذا يبقى شريطة أن يكون المستثمرون «مطمئنين» إلى أن دولهم لن تتهم لاحقاً بـ»سرقة» التكنولوجيا الأميركية بما يجعل أموالهم مستهدفة بدورها، وأن الحروب التجارية لن تتسع بحيث تقوض مبيعات تلك الشركات.

ومع الانكماش المتوقع للاقتصاد بسبب الحروب الاقتصادية، يمكن التأكيد على أن العودة للاستثمار التقليدي في شراء الذهب خيار جيد، شريطة أن يتم الاستثمار فيه مبكراً، وقبل ارتفاع سعره بعد اعتماد الكثيرين عليه بوصفه «الملجأ أو الملاذ الأخير».

البترول والغذاء

وعلى الرغم من التراجع المتوقع للاستثمار في الشركات التكنولوجية وفقاً لشبكة «فوكس» فإن هذا لا يعني أن باقي مجالات الاستثمارات آمنة بدورها، لاسيما أن آثاراً غير متوقعة قد تستهدف القطاعات الصناعية التقليدية، لاسيما بعد الجمارك الأميركية على الصلب والألمنيوم.

أما في مجال الاستثمار في السلع الأولية فإنه مع التراجع المتوقع للنمو العالمي مع انخفاض حركة التجارة وتقييد الاستثمارات، والذي أشارت «فوربس» إلى أن صندوق النقد الدولي بصدد إعادة تقدير النسبة المتوقعة لعامي 2018 و2019 (3.9 في المئة)، فإن أسعار البترول والفحم والغاز الطبيعي ستشهد تراجعاً كبيراً، لارتباطها الشرطي دائماً بمعدلات النمو العالمي، بما يؤشر لاستثمارات غير آمنة في هذا المجال.

أما فيما يتعلق بأسعار المواد الغذائية فالمتوقع لها الارتفاع خلال المرحلة المقبلة، للعديد من الأسباب أهمها العوامل المناخية في الدول المنتجة الرئيسية، واحتمالات دخولها ضمن السلع التي تدخل في الحروب التجارية بما يرفع الأسعار، ويجعلها مجالاً محتملاً للاستثمار وفقاً لـ»فيل ماكينون» المحلل في مجموعة «في.بي.تي» الاستثمارية الإنكليزية، الذي قال لـ»فوربس» إن ركوداً قد يضرب الاقتصاد، بالتالي فإن السلع التي لا يمكن مقاطعتها، وفي مقدمتها الأغذية، تصبح المجال الأنسب للاستثمار.

الأموال الساخنة

ويبقى الأهم في المرحلة المقبلة اختيار الدولة التي تتوجه إليها الاستثمارات، فإذا وصلت الحرب الاقتصادية لمراحل متقدمة بين الولايات المتحدة والصين فمن المنتظر أن تكون الاستثمارات في الدولتين في خطر، لاسيما في الصين التي تعتبر الولايات المتحدة المشتري الأول لمنتجاتها (تستحوذ على قرابة ربع الصادرات الصينية تقريباً)، أما الولايات المتحدة فاستهداف الاستثمارات الصينية تجعل باقي الاستثمارات من بقية الدول في غير مأمن أيضاً.

وتذكر مجلة «فورين بوليسي» أن ملاذات الاستثمارات الآمنة، مثل سويسرا على سبيل المثال، ظهرت بسبب وجود صراعات سياسية واقتصادية إبان مرحلة الحرب العالمية الثانية والباردة، ومع اتباع تلك الدول لسياسات أقرب للحيادية فإنها كثيراً ما تكون الأكثر أمناً في وقت السيولة (غياب اليقين) الاقتصادية العالمية، وهو ما ينتظر أن يحدث أيضاً حال اتساع نطاق الحروب التجارية والاقتصادية وزيادة حدتها. ويبقى الأكثر تحقيقاً للربح في تلك الفترات هم الأكثر استعداداً للمغامرة بعدم ترك أموالهم في الملاذات الآمنة واستخدام التحركات الممكنة بين مختلف الدول والمجالات من أجل حصد مكاسب سريعة، حيث إن ظاهرة «الأموال الساخنة» تزدهر في ظل الاضطرابات الاقتصادية عموماً، غير أن الأمر يبقى مغامرة قد يكون بها غنم، إلا أن الغرم لا يمكن تعويضه.

back to top