منذ سنوات تدور في تجمع الخان الأحمر البدوي معركة صمود وتحدٍّ بطولية، يخوضها أهل التجمع البواسل في وجه محاولات الترحيل والتطهير العرقي التي يقوم بها جيش الاحتلال. أهالي الخان الأحمر ينتمون إلى عشيرة أبو داهوك، وهي من كبرى عائلات عشيرة الجهالين البدوية، تعرضوا للتطهير العرقي من قبل، عندما أجبروا بالقوة بعد عام 1948 على مغادرة أراضيهم في النقب، وتجمعوا في منطقة الخان الأحمر منذ ذلك الحين، وصمدوا في فلسطين رغم المعاناة والتنكيل، والملاحقة المستمرة.
يمنعهم الاحتلال منذ سنوات من بناء البيوت، والمدارس، والعيادات، وحتى المرافق الصحية ليعيشوا شظف العيش في خيم وبركسات، محرومين من الكهرباء والمياه، ومع ذلك يصرون على الصمود والبقاء. سد الاحتلال كل المنافذ على قريتهم التي عاشوا فيها، فصار الدخول اليها والخروج منها مغامرة يومية صعبة تعرضهم للغرامات المتكررة من شرطة الاحتلال.وكان أبناؤهم وبناتهم يضطرون إن أرادوا الذهاب للمدارس إلى قطع طريق طويل نحو العيزرية أو أريحا، وكثيرون لم يستطيعوا ذلك فحرموا من الدراسة، منعهم الاحتلال من بناء مدرسة بمواد البناء الطبيعية، فتفتقت أذهانهم عن فكرة بناء مدرسة لصغارهم من إطارات السيارات المستعملة، وصنعوا معجزة بناء مدرسة كاملة من الإطارات التي رتبوها ودهنوها، ثم استخدموا الطاقة الشمسية لتزويدها بالكهرباء، فأصبحت تخدم 170 طالبا وطالبة من ثمانية تجمعات بدوية، وأقاموا بركسا بسيطا يستخدمونه كجامع، وكعيادة لفريق الإغاثة الطبية الذي يزورهم بانتظام. ورغم أن قريتهم أقيمت على أرض خاصة استأجروها من أصحابها من سكان عناتا، يواصل الاحتلال ملاحقتهم على مدار العشرين عاما الماضية بهدف تهجيرهم، والاستيلاء على أرض الخان الأحمر ومصادرتها. خاضوا المعارك القضائية الواسعة تلو الأخرى، حتى صدر قرار محكمة اللا عدل العليا بإخلائهم، ثم صدر أمر مما يسمى "الحاكم العسكري" للضفة الغربية بمصادرة الأرض لأغراض عسكرية، ولشهر يسمح بهدم بيوتهم، ومدرستهم، وعيادتهم المتواضعة، وتشريدهم للمرة الثانية. وطوال الأسبوع الماضي خاضوا، وخضنا معهم، معركة مقاومة شعبية باسلة لصد هذا القرار ومنع تنفيذه، وتحولت قضيتهم إلى قضية عالمية لم تشد انتباه الدول بسبب بسالتهم فقط، بل لما تعنيه إجراءات الاحتلال ضد الخان الأحمر سياسيا لكل فلسطين. فالهجوم على الخان الأحمر، إن مر، يعني بدء حملة إسرائيلية استيطانية خطيرة لتصفية أربعة وعشرين تجمعا بدويا في محيط القدس، والهدف تطويق القدس وفصلها بالكامل عن باقي الضفة الغربية. وإن نجحت عملية هدم وتصفية الخان الأحمر فسيعني ذلك انطلاق عملية التطهير العرقي للأغوار، والتمهيد لضم وتهويد كل ما يسمى بمناطق "C"، أي ما لا يقل عن 62% من الضفة الغربية. وإن مرت عملية تصفية الخان الأحمر، فسيفتح ذلك الطريق لاستيطان مسعور في المنطقة ولمخططات خطيرة، ذكر بعضها الزميل خليل التوفكجي بما في ذلك إنشاء أكبر مطار إسرائيلي في منطقة النبي موسى، في إطار المشروع الصهيوني المسمى "القدس الكبرى" والتي لن تقل مساحتها عن عشرة في المئة من مجمل الضفة الغربية.المعركة في الخان الأحمر لا تدور من أجل إنقاذ الخان الأحمر بكل ما يحمله ذلك من معان إنسانية نبيلة فقط، بل تدور أيضا حول مستقبل القدس وفلسطين بكاملها، وهدف الاحتلال جلي كالشمس، من الخان الأحمر، لسوسيا، للقدس والأغوار، إنه تدمير إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة، وتكريس نظام الأبارتهايد، ومحاولة تهجير أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، وحشر من يتبقى منهم في 224 معزلا وبانتوستا محكومة بنظام الأبارتهايد العنصري. ولذلك فإن المقاومة الشعبية لمخطط تهجير الخان الأحمر هي مقاومة لمؤامرة تدمير الوجود الفلسطيني بكامله، وكل دولة تقول إنها تساند سلاما يستند إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة مطالبة اليوم بأن ترفع سلاح العقوبات في وجه إسرائيل لصد هجومها على الخان الأحمر. وتحية لكل القابضين على الجمر، من رجال ونساء وأطفال، من أهالي الخان الأحمر، وكل التجمعات البدوية الباسلة، الصامدة في وجه جبروت الظلم والطغيان. *الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية
مقالات
الخان الأحمر ملحمة صمود ومقاومة شعبية
08-07-2018