مضى على الثورة السورية 7 سنوات، ولم تحقق أي هدف من أهداف الشعب السوري، بل خلفت دماراً هائلاً وكوارث تشيب لها الولدان، مليون إنسان بين قتيل وجريح ومعوق وأسير، وملايين أخرى بين مهجر ولاجئ ونازح ومشرد، اليوم، وفي ظل هذه العواقب الوخيمة من حقنا أن نتساءل: هل كان المتظاهرون سلمياً ضد النظام وقادتهم المحرضون، لو عاد بهم الزمان سيرتهم الأولى، قبل انطلاقة شرارة الثورة، يفكرون في القيام بما قاموا به؟! وهل كانت الأطراف الإقليمية والدولية التي تدخلت ودعمت الثورة السورية بالمال والسلاح والمقاتلين والدعم السياسي والديني، في سبيل تحقيق الحرية والعدالة والكرامة للشعب السوري، هل كانت هذه الأطراف تقدم على ما أقدمت عليه؟! من كان يستطيع التكهن بالعواقب قبل 7 سنوات؟ كلنا تحمسنا وكتبنا وأيدنا ثورة الشعب السوري في أهدافه المشروعة! كل هذه التساؤلات مشروعة، ويجب طرحها اليوم على أنفسنا، فما حصل ويحصل في الساحة السورية، أمر يدمي الفؤاد، ويذرف العبرات ويطلق الحسرات على أرواح أبرياء نساء وأطفال وشباب وشيوخ ذهبت، وكرامات أهدرت، ومدن آمنة مستقرة يأتيها رزقها قد دمرت. الآن: ما الدروس والعبر المستخلصة من الثورة السورية، ومن الثورات العربية عامة؟
هناك من لا يزال يدافع عن مشروعية الثورة على الأنظمة الظالمة عامة، والسورية خاصة، ويذكر العشرات من المبررات الشرعية والأخلاقية والحقوقية والإنسانية وغيرها، ومع تفهمي لرأيهم ووجاهة مبرراتهم إلا أني مع رأي أن الثورات لم تأت بخير: أولا، المبررات الشرعية: صحيح أن عشرات الآيات في القرآن الكريم والأحاديث في السنة النبوية في العديد من المرويات نهت نهياً قاطعاً عن الظلم، واعتبرته من الكبائر، وتوعدت الظالم: فردا أو حاكماً، بأشد العذاب، وخصت الحاكم الظالم بعذاب أكبر، إلا أن النصوص الدينية صريحة في تحريم الخروج المسلح على الحاكم، ولو كان ظالماً.ثانياً، التجارب التاريخية السابقة: ذهب جمهور الفقهاء القدامى والمعاصرين إلى تحريم الخروج المسلح على الحاكم: فرداً أو جماعة، بل اعتبروا الخروج الجماعي نوعاً من البغي، وما دفعهم إلى ذلك ليس مجرد النصوص الدينية، إنما ما وقع في زمنهم من وقائع مأساوية، استخلصوا منها الدروس والعبر. لقد عانوا عواقب ثورة الإمام الحسين على مظالم الحكم الأموي واستشهاده، رضي الله تعالى عنه، في سبيل إقرار الحق والعدل والكرامة، وخبروا الأهوال التي نتجت عن الصراع المسلح على السلطة، منذ الفتنة الكبرى، مروراً بصراعات الأمويين فالعباسيين إلى العثمانيين وصراع الدويلات، لذلك نادوا بالصبر على مظالم الحكام، لا إقراراً بالظلم والمظالم، وإنما إيثاراً لأهون الشرين: شرور الحكام الظلمة، والشرور الناتجة عن الفوضى والفتن والصراعات المسلحة، كما نشاهدها اليوم في المشهد العربي العام.ثالثاً، التجارب العربية المعاصرة: أثبتت أن كل الثورات، شعبية أو انقلاباً، ومنذ أول انقلاب عسكري 29 مارس 1949 كانت وبالاً على أوطانها، ولم تحقق أي شعار، لا الديمقراطية قامت، ولا التنمية نجحت، ولا العدالة الاجتماعية تحققت، ولا فلسطين تحررت، تفاقم الفساد وانتشرت البطالة وهربت الكفاءات والاستثمارات وتبددت الثروات وزاد الطغيان وأهدرت الكرامات، بل أضافت ثورات الربيع ثلاث كوارث جديدة: تمكين التنظيمات الإرهابية، وتصدير آلاف اللاجئين الذين يبتلع البحر بعضهم، وتهجير الأقليات، وحتى في ثورة الياسمين، عروس الربيع، ما زال الشاب التونسيون العاطلون يحلمون بالسباحة إلى الضفة الأخرى، لتتحقق مقولة "الثورة يفجرها حالم ويجني ثمارها انتهازي".ختاماً: ليس معنى تحريم الخروج المسلح على الحاكم، الرضا بالظلم والطغيان، والاستكانة للذل، فحق الشعوب في مراقبة السلطة الحاكمة وأجهزتها حق شرعي أصيل، وحق الناس في مقاومة الظلم والفساد ومناهضة الفاسدين ومناصرة العدل فريضة شرعية، إننا بحاجة لما قاله الأمير الحسن بن طلال إلى (ميثاق يحمي قيم الربيع العربي) وإلى غرس ثقافة (المساءلة) في البنية المجتمعية، كما فعل الخليفة الراشدي، الصديق، رضي الله تعالى عنه "إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني". فالتقويم لا يتحقق إلا بتبني الرأي العام لثقافة المساءلة، شريطة أن تتم بالوسائل السلمية: المنابر الإعلامية، ومنظمات المجتمع المدني، والحوار الوطني، والمنتديات والديوانيات، ولا حرج من الإفادة من الأساليب الحديثة في المعارضة، من غير تحريض على النظام أو تخوينه، أو تجريح المسؤولين، لأن الهدف نقد العمل وتقويمه لا التجريح الشخصي.* كاتب قطري
مقالات
الثورات كوارث على الأوطان
09-07-2018