أصدر د. وليد السيف كتاباً بعنوان «الآلات الموسيقية التقليدية في شبه الجزيرة العربية»، متضمنا 3 فصول؛ الأول يعنى بالآلات الوترية، في حين يركز الفصل الثاني على آلات النفخ، أما الفصل الثالث فيقدم شرحا مفصلا عن الآلات الإيقاعية، ويتضمن الإصدار معلومات قيمة عن أصول الأنغام الشعبية وآلاتها، إضافة إلى ملف صور عن الفنون الشعبية في شبه الجزيرة العربية.

وفي التقديم للإصدار، قالت الأمانة العامة في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب إن الآلات الموسيقية تعتبر مرجعا تاريخيا في الدليل على ما قطعته الشعوب في تلك الحضارات لقد كانت الأصوات وسيلة الإنسان الأول في التفاهم قبل معرفته لأي لغة، ثم ارتقى إلى محاكاة أعضاء جسمه، فابتدع التصفيق بالأيادي والدق بالأرجل، حتى صنع الطبول والدفوف والصنوج المتنوعة، وبذلك يشكل الإبداع الإنساني للآلات الإيقاعية المحطة الأولى. وعقب ذلك، اهتدى الإبداع الإنساني إلى آلات النفخ - كمحطته الثانية - من خلال النفخ في العظام أو القواقع البحرية، ثم تطور إلى صنع المصفار يليه آلات الناي والقصبة والقصابة والمزامير المتنوعة، ثم تطورت آلات النفخ تدريجيا ليصنع من المعادن كآلات البوق والنفير أو النفّار.

Ad

وفيما يتعلق بالمحطة الثالثة من الإبداع الإنساني للآلات الموسيقية، فترى الأمانة العامة أن ثمة تجارب متنوعة مر بها الإنسان حتى صنع الآلات الوترية بشكلها المتعارف عليه، وكانت بداياتها من خلال تطويع غصن قابل للالتواء ينزع منه غلافه، ويقوم العازف بالتعامل معه لإصدار صوت يتوافق مع رغباته، ثم اهتدى إلى استخدام الوتر ليركبه في هذا الغصن، بعدها وضع الإنسان الوتر على صندوق مصوت مثل جوز الهند أو القرع، ومنها انطلقت إبداعاته في صنع الصناديق المصوتة، فوضع الصناديق ذات الرقبة حتى توصل إلى استخدام الأصابع في العزف على الأوتار، استغرق هذا التطور في الإبداع الإنساني للآلات الموسيقية عصور من الزمن، فبدأ من العصر الحجري مروراً بالعصور القديمة المتعاقبة، وصولا إلى العصور الوسطى ثم الحديثة التي استمرت من خلالها عمليات الإبداع في صنع وتطوير الآلات الموسيقية، فاستنبطت آلات جديدة، تميزت بالدقة الموسيقية، وظهرت الآلات الموسيقية الكهربائية والرقمية الحديثة التي نشاهدها اليوم.

ويستعرض الإصدار كل آلة على حدة، مع شرح مبسط لها وفقا لثلاثة تصنيفات، أولا: الآلات الوترية، ثانيا: آلات النفخ، ثالثا: الآلات الإيقاعية. ويختتم الكتاب بملف خاص عن الصور للفنون الشعبية في شبه الجزيرة العربية التي تستخدم فيها تلك الآلات.

ربابة الشاعر

تعتبر آلة الربابة (ربابة الشاعر) ذات الوتر الواحد من الآلات القديمة التي ابتدعها إنسان البادية العربية، والتي تعتبر شبه الجزيرة العربية جزءا لا يتجزأ منها. وقد صنعها البدوي من مواد متوافرة في بيئته الصحراوية كالخشب وجلد الحيوانات وذيل الحصان.

وأهم مكوناتها الصندوق المصوت، والرقبة، والوتر، والحزام، والمفتاح، وعمود الارتكاز، والغزالة.

ولا تزال ربابة الشاعر واسعة الانتشار في بادية دول الخليج والجزيرة العربية، ويعزفها الرجال والعازف حر في دوزان ربابته، بما يتناسب مع طبقاته الصوتية في الغناء، وتستخدم الربابة بواسطة البدو في معظم المناسبات والاحتفالات وجلسات السمر البدوية.

الطنبورة

الطنبورة آلة وترية ذات ستة أوتار، تتبع السلّم الخماسي، ويعود تاريخها للحضارة السومرية في العراق، حيث انتقلت الى الحضارة الفرعونية، ومن ثم استقرت في السودان، ومن خلال تجارة العبيد التي وصلت إلى ذروتها في القرن 19، وانتهت في منتصف القرن العشرين، وقد دخلت الآلة إلى سواحل شبه الجزيرة العربية، كما وصلت الآلة إلى جزيرة فليكا في دولة الكويت منذ ما يزيد على 2000 سنة قبل الميلاد، كما أثبتته الشواهد الأثرية، حافظت الآلة على سماتها الرئيسة كطريقة العزف ونوعية الأوتار وصندوقها المصوت، وقدسيتها وطقوسها وتصنع آلة الطنبورة من الأخشاب والأوتار من المصران، وجلد البقر، وخيوط القطن، وعازف الطنبورة يسمى سنجك يغني بصحبة الكورال والطبول وهز المنجور والتصفيق والرقص الرجالي والنسائي.

التخت الشرقي

وحول آلة العود يقول السيف إنها آلة وترية لها جذور تاريخية قديمة تعتبر من أكثر الآلات الوترية شعبية وانتشاراً في العالم العربي، وفي شبه الجزيرة العربية بوجه خاص، كما تعتبر آلة أساسية في التخت الشرقي، لها خمسة أوتار ثنائية، ويمكن ربط وتر سادس، يتكون العود من ظهر، ووجه الفرس، والرقبة، والأنف، 12 مفتاحا إضافة إلى الأوتار، وتستخدم ريشة النسر أو ريشة بلاستيكية طويلة للعزف عليه، أما دوزان أوتار العود من الأسفل دو، صول، ري، لا، فا، أو صول. وفي شبه الجزيرة العربية يعزف عليه مختلف الأغاني الشعبية والمطورة، كالصوت الذي يتمتع بشعبية خليجية واسعة، وقد شهدت صناعة العود تطورا ملحوظا خصوصا في دولة الكويت.

الفرق العمانية

ويقدم السيف شرحاً عن آلة البرغام أو البرغوم التي تنتمي إلى آلات النفخ، ويقول ضمن هذا السياق :»آلة قديمة جدا، وهي نوع من أنواع البوق التي استخدمها الإنسان الأول في شبه الجزيرة العربية، مصنوعة من قرن الوعل النوبي المفرغ من الداخل، وأحيانا تصنع من قرن الجاموس، يبلغ طوله نحو 58 سم، تفتح فيه فتحة صغيرة بالقرب من طرف القرن المغلق المدبب، فينفخ العازف في الفتحة لتصدر نغمة عالية واحدة أو نغمتين بحد أقصى، ونظراً لتجريم صيد الوعل النوبي، باتت هذه الآلة نادرة جدا، ولا يستخدمها في الوقت الحاضر سوى بعض الفرق العمانية لأداء فنون السيف، كفني الرزحة والعازي (خاصة رزحة المسيرة).

آلات النفخ

ضمن فصل آلات النفخ، يستعرض السيف مواصفات «الصرناية»، ويشرح في هذا الصدد:» آلة نفخ تقليدية قديمة ذات ريشة مزدوجة و6 فتحات تسمى في عمان والإمارات «الزمر» وباسم «الصرناي» في الكويت والبحرين وقطر والسعودية، والصرناي آلة أساسية في فن الليوة، ويصنع من خشب جوز الهند أو الصنوبر أو الساج، ويتكون من: (1) البوق (التاكو)، وهو الجزء السفلي للصرناي، وهو يمكن فصله عن أو تكريبه، مع (2) الدقل الذي يحتوي على 6 ثقوب، (3) المنارة (أنبوب معدني يشبه المئذنة)، والفطية وهي قرص معدني أو خشبي لمنع تسرب الهواء داخل فم العازف، والريشة (الخوصة) وللصرناي مكانة خاصة عند عازفها، وهناك أشكال وأحجام له.

كما يقدم السيف العديد من اللمحات الجميلة عن الآلات الموسيقية في الجزيرة العربية، منها المزمار، وهي آلة نفخ من ريشة مفردة يعود تاريخها للآشوريين والمصريين القدماء، وتعد من الآلات الشعبية التي كانت تصنع من خشب الغاب وتتنوع في الأطوال وعدد الفتحات، فمنها السباعي والسداسي والخماسي وهناك الرباعي.

وفي الإصدار، يسلط السيف الضوء على عديد من الآلات الإيقاعية، منها الطبل البحري، والرحماني والمرواس وإنصيفي والطار أو الطاره والدنبك وغيرها.

وعن إيقاعات الليوه، يقول إن الليوه فن شعبي أصله من ممباسا (شرق كينيا)، ويمارس هذا النوع من الفنون في جميع دول شبه الجزيرة العربية، وتتكون إيقاعات الليوه من طبل «البيب»، وهو برميل خشبي، و»ميسندو» وهو طبل إسطواني مخروطي الشكل، وجميعها مغطاة بجلد البقر، وتضاف آلة التنكة أو التاكو لتقديم الزخرفة الإيقاعية.