كم تشقى تلك الشعوب؟!
كم تشقى شعوب الدول التي تستمر فيها صراعات الخير والشر دون حدود رادعة، ونزاعات الطوائف والأعراق دون تسامح ومساواة، وكباش العطاء مع الأنانية والجشع والاستحواذ دون تكافل وعدالة، الفساد دائماً هو نتاج رحم تلك الصراعات والنزاعات والكباش في المجتمعات التي ترفض الديمقراطية والعدالة والمساواة، أو ترفض السلطة ومراكز القوى فيها أن يقروا بذلك، ويقاوموا الحكم الرشيد الذي يرتكز على تلك الركائز الثلاث.في دولة صغيرة وغنية، ما الذي يجعلها تعاني من صراعات ومشاكل، وثروة توزع على أقل من 10 في المئة من سكانها، ومعتقلين وسجون ومحاكم وتردي الخدمات... إلخ، إنه الصراع على الاستحواذ على المال والتمتع بالسلطة، وهو ما لا يحدث مثلاً في سنغافورة أو فنلندا أو سويسرا، لأنهم نزعوا من مجتمعهم تلك الصراعات بقوة القانون، الذي يطبق على الجميع دون تمييز.
إنه صراع عبثي لم تستطع أكبر كارثة مرت على تلك الدولة، من احتلال ومحو وجودها، أن تمحوه من عقول وقلوب المستحوذين، رغم ثرواتهم الهائلة في الداخل والخارج، وكل مباهج الدنيا وزخرفها، والسلطة التي يتمتعون بها، ولكنها أنفس لا تشبع ولا تقنع، بل وتغوي أيضاً الآخرين لينغمسوا معها في مرضها ذلك، بمنحهم بعض فتات ما يملكون ليفسدوا كل شيء.النصيحة لا تجدي نفعاً عندما يتملك مجتمعاً هذا الصنف من البشر، بل سيجعلون بلدهم يعيش في دوامة لا تنتهي من الصراعات المنهكة والمؤلمة، وسيظل أحفادهم من بعدهم يمارسون نفس النهج، يوسوسون لكبار المسؤولين بكل فعل سيئ، ويحرضونهم على شعبهم الذي يصورونه لهم بأنه في نعيم ولا يستحق المزيد حتى لا يشبع ويتمرد عليهم، ويجملون لهم الفساد بتصويره أنه ممارسة طبيعية وإرضاء للقوى الأهم في البلد التي تسيطر على العامة، وتتحكم في أصحاب الحل والعقد عن طريق "الكرسي والدرهم"، لن يشبعوا أبداً... وسيستمروا في اللعب على كل الحبال الطائفية والقبلية والمناطقية حتى تنقطع الحبال ويتعلق الناس بأطرافها قبل السقوط!