ما أشبه الليلة بالبارحة، فبعد نشوة مصدري النفط بالتحسن الكبير في أسعاره، والذي بلغ نحو 13 في المئة خلال الأيام العشرة الأولى من الشهر الجاري، عادت الأسعار إلى الانتكاس يوم أمس الأول، حيث فقد خام "برنت" القياسي العالمي في جلسة تداول واحدة نحو 7 في المئة من قيمته. ولم يُجدِ إفصاح إدارة معلومات الطاقة الأميركية في ذات اليوم- الأربعاء، عن هبوط مفاجئ في مخزون الخام في الولايات المتحدة بنحو 12.6 مليون برميل في دعم السعر. الدول شديدة الاعتماد في دخلها على النفط، ومنها الكويت التي ما زال النفط يشكل منذ سبعة عقود من الزمن مصدر رزقها شبه الوحيد، والذي تصل مساهمته في إيراداتها العامة إلى نحو 90 في المئة، قد تكرر وسيتكرر مرورها بمراحل عسيرة وشاقة، مثل المرحلة الراهنة التي تتسم بدرجة عالية من التقلب والمخاطرة وعدم اليقين.
مصدرو النفط الذين يعتاشون على صادراته، وخصوصاً من تقاعس منهم عن إيجاد مصادر بديلة للدخل، هم في وضع لا يُحسَدون عليه. ففي ظل تداعيات أزمة الانكماش المالي التي أرخت سدولها في عام 2008 فقد سعر النفط الخام نحو 80 في المئة من مستواه القياسي الذي سبق الأزمة. ومنذ منتصف عام 2014 هبط هذا السعر تدريجياً حتى فقد نحو 75 في المئة من قيمته التي كان عليها في النصف الأول من تلك السنة.طبول الحربفي اللحظة الراهنة، يقف العالم برمته على مفترق طرق وعرة، فلا أحد يعرف إلى أين ستنتهي فصول هذه الحرب التجارية التي يقرع طبولها العملاقان الأميركي والصيني، ولا أحد يعرف مصير العقوبات الاقتصادية الجديدة على إيران في ظل تناحرات غير مسبوقة بين مراكز الثقل الاقتصادي الدولي- أميركا وأوروبا والصين- أو ما ستؤول إليه تهديدات إيران المتجددة بتعطيل الملاحة في مضيق هرمز، أهم ممر دولي لشحنات النفط في العالم، والذي يمثل شريان الحياة الأهم لمنطقة الخليج العربي التي تمثل خزان النفط الرئيس في العالم. التوقعات الحالية لمسار أسعار النفط في النصف الثاني من السنة الجارية وفي السنة المقبلة متباينة تبايناً شديداً، فبعضها مفرط في التفاؤل، وبعضها الآخر مغرق في التشاؤم. وهي في مجملها تشكل انعكاساً طبيعياً لحالة اللايقين على المستوى الدولي، إضافة إلى تداعيات الرمال المتحركة في إيران، والعراق، وليبيا، ونيجيريا، وفنزويلا وغير ذلك. وهي حالة تجعل سوق النفط أشد حساسية تجاه المستجدات، وتضع دول النفط في مربع المخاطرة المربكة.هواجس الرئيسوإذا أخذنا بعين الاعتبار هواجس الإدارة الأميركية المتوجسة خيفة من نتائج انتخابات منتصف المدة في الولايات المتحدة، والمقرر عقدها في نوفمبر من هذا العام، والتي عادة ما تحمل مفاجآت غير مواتية لحزب الرئيس، خصوصاً إذا كان الرئيس وسياساته موضع خلاف واختلاف شديدين بين الناخبين، فإن المسار المستقبلي لسعر النفط يصبح أكثر ميلاً للهبوط منه إلى الصمود أو الصعود.وإذا أضفنا إلى كل هذا وذاك توجه البلدان الرئيسية المستهلكة للنفط إلى رص صفوفها في مواجهة أي صعود مبالغ به في أسعار النفط، والتحذيرات التي تلقتها "أوبك" من الصين والهند بهذا الخصوص، والتي كان آخرها التحذير الذي أطلقه أمس الأول رئيس مؤسسة النفط الهندية من انخفاض الطلب الهندي على النفط بمقدار مليون برميل يومياً بحلول سنة 2025، عبر تحول الهند إلى الغاز الطبيعي والسيارات الكهربائية، فإن دول النفط بحاجة إلى قدر أكبر بكثير من الحصافة والمسؤولية في تعاملها مع هذه المرحلة الكالحة.إن الحصافة والمسؤولية تفرضان على هذه الدول، خصوصاً من تفتقر منها إلى قاعدة اقتصادية رديفة لدخل النفط، أن تتخلى عن التفريط بسياساتها الإصلاحية التي انتهجتها بعد التراجع الكبير للأسعار في عام 2014، وأن تعيد فتح دفاتر الإصلاح المؤسسي والاقتصادي، وأن تتوقف عن هذا الإفراط في التفاؤل الذي يبدو أنه قائم على أرض هلامية رخوة ولزجة.
مقالات
وجهة نظر : تفاؤل مفرط على أرض هلامية
13-07-2018