في جلسة موسم "أصيلة" الثقافي الدولي الأربعين، الذي بدأ أعماله الأربعاء الماضي، في هذه المدينة المغربية التاريخية الجميلة، المجاورة لمدينة طنجة، المشهورة والمعروفة، عقدت ندوة بعنوان "مأزق الوضع العربي الراهن... الممكنات والآفاق"، تحدث فيها أربعة من المتكلمين، من بينهم الأمين العام لجامعة الدول العربية وزير الخارجية المصري الأسبق عمرو موسى، وثلاثة آخرون اقتربوا جميعهم من الاتفاق على مأساوية الأوضاع العربية الراهنة بصورة عامة، وأن الأمور ذاهبة إلى الانهيار إذا لم تكن هناك وقفة عملية جادة عند هذا المنعطف الخطير.لقد تمت الإشارة إلى أن هذا المأزق، الذي تمر به الأمة العربية، نتيجة تراكمات تتابعت على مدى نحو مئة عام، أي خلال سنوات القرن العشرين بأكمله، حيث فشلت تجربة أنظمة الحكم، التي تلاحقت خلال هذه الفترة، إن ليس كلها فمعظمها، في أن تقيم دولاً فعلية حقيقية، وفشلت أحزابنا بتياراتها الثلاثة: القومي ممثلاً في حزب البعث وحركة القوميين العرب، والديني الإسلامي ممثلاً في "الإخوان المسلمين"، والأممي العلماني – الاشتراكي ممثلاً في الحزب الشيوعي... وهكذا فقد وجدت الأمة العربية، بعد مئة عام من انهيار السلطنة العثمانية، وبكل شعوبها، تغرق في الإرهاب والتطرف والعنف البدائي والطائفية والمذهبية والإرهاب، وعلى غرار واقع الحال في سورية والعراق ولبنان واليمن وليبيا، وفي دول أخرى، بدأ جمر كل هذه التحديات يُعشعش تحت رماد لا يحتاج اشتعاله إلا نفخة هواء فتنة يسود الاعتقاد لدى البعض أنها نائمة ولن تستيقظ على الإطلاق وبصورة أبدية.
وحسب بعض المتحدثين، وهذا فيه كل الصحة، أنه كان بالإمكان تحاشي وصول الأمور في بعض الدول العربية، في سورية والعراق وليبيا واليمن أيضاً، إن شئتم، إلى ما وصلت إليه، لو أن أنظمة الحكم في هذه البلدان بادرت إلى استيعاب انتفاضات شعوبها، والتلاؤم معها، على غرار ما جرى في الأردن وتونس والمغرب ودول أخرى، وهنا فإن المعروف أن العاهل الأردني الملك عبدالله بن الحسين بادر إلى تبني مطالب شعبه في الانتفاضة الأخيرة، وتدخل شخصياً لمنع استخدام أي شكل من أشكال العنف ضدها والتي بدأت "مطلبية" وسلمية... وانتهت سلمية.ولعل الأخطر في عدم استيعاب بعض أنظمة الحكم لمطالب شعوبها، ونظام بشار الأسد المثل الواضح والصارخ على هذا، واستخدام أقسى وأقصى أشكال العنف ضد هذه الشعوب، التي بدأت بتظاهرات مطلبية واحتجاجية سلمية، أن العنف يولّد المزيد من العنف... وهكذا إلى أن كانت كل هذه التطورات المأساوية المدمرة التي لا تزال مفتوحة على المزيد من أسوأ الاحتمالات... والتي في مقدمتها التشظي والانقسام، وعلى أسس مذهبية وطائفية وإثنية، وعلى غرار ما أصبح عليه الوضع في سورية.ثم وإن الأخطر من هذا الأخطر الآنف الذكر هو أن الرد الأهوج على المطالب الشعبية العادلة استدعى تدخلاً دولياً وإقليمياً، أدى إلى خروج الأمور من أيدي هذه الأنظمة المعنية وشعوبها، فسورية، كما هي ليبيا أيضاً، أصبحت ساحة صراعات دولية وإقليمية، فهناك التدخل الروسي والأميركي والإسرائيلي، والتدخل الإيراني والتركي، وهذا يعني أن أي حل يستدعي تفاهم هذه الدول المتدخلة كلها، وهذا في حقيقة الأمر مستبعد جداً، سواء في هذه المرحلة أو في أي مرحلة أخرى قريبة.
أخر كلام
«أصيلة» المغربية والمأزق العربي!
13-07-2018