«الطيور على أشكالها تقع»
![د. محمد بن عصّام السبيعي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1527781193350968600/1527781229000/1280x960.jpg)
وبناء عليه فقد كان تسويغ كثير من أمثلة التفريق بين الجنسين إملاء لهاجس وقائي للحيلولة دون تعرض المرأة لتلك المتاعب، ودون إيقاظ غرائز فطرية لدى الجنس الآخر تنسحب تبعاتها على استقرار المجتمع. من ذلك باب درء الفتن في دين الإسلام، ومنه أيضا، وإن لم يحمل ذات الاسم، ما تراه في كل دول العالم، المتقدمة قبل النامية، من تسهيلات مخصصة للنساء من عربات نقل، مواقف سيارات، أندية رياضية مقصورة على النساء. وغير هذا وذاك هناك أمثلة للتفريق بين الجنسين، سيما في العالم الغربي، لا تفهم أكثر من كونها محض تقليد، منها كليات للعلم أو أندية اجتماعية مقصورة على أحد الجنسين دون الآخر.وكما يبدو، فبين كل تلك الأمثلة هناك قاسمان مشتركان. الأول أنها ليست حكرا على ثمة بقعة جغرافية أو حقبة زمنية، أو عرق دون غيره، أو على منظومة ثقافية معينة، وثنية، دينية أو لادينية. والآخر هو أن الرجل، أو إن شئت الرفيق الأقوى، كان علة الأمر وحله، أو قل داءه ودواءه.وهذا المجتمع ليس استثناء من جدل اختلاط الجنسين، بل إن توصيف العلاقة بين الجنسين يكتسب، لخصلة المحافظة المفرطة، منحى حرجا، فشأن الحواضر في جزيرة العرب كان الغالب على بلدة الكويت قديما ندرة قنوات الاتصال بين الجنسين سوى ما تتيحه علاقات القرابة المباشرة أو المنضوية في إطار الزوجية، الأمر الذي يعود إلى بساطة الاقتصاد والتقسيم التقليدي للعمل بين الجنسين. لكن مع تدفق الفوائض المالية لدى الدولة وتوسع عجلة التنمية، إلى جانب الانفتاح على شعوب عربية سبقتها في مضمار التنمية، ساد فجأة اعتقاد مؤداه أن الاختلاط الواسع بين الجنسين والتقدم وجهان لعملة واحدة. وبناء عليه كان هناك دفع يثير الدهشة نحو تكثيف اختلاط الجنسين. استمر هذا الحال حتى بروز المد الإسلامي منذ أواسط السبعينيات حيث عاد الأمر إلى حال من انكفاء. وقد صادف هذا الانكفاء ذروته في تقنين تمثل في استصدار قانون 24 لعام 1996 والقاضي بالفصل بين الجنسين في فصول التعليم العالي.وبعيدا عن إطالة لا يسمح بها المجال فالحق أن قطعا برأي، سواء بالدفع، بقانون أو بسواه، باتجاه اختلاط بين الجنسين أو منع ذلك هو من قبيل اعتساف الأمور ومما يفيض عن الحاجة. فكلا الحالين يبدوان من طبيعة الأمور وفطرة الخلق. فلا مراء أن طبيعة خلق الذكر والأنثى لا تترك مجالا لأي شك في أن كليهما قد خلق للآخر. ذلك على الأقل بالنظر إلى حاجة إشباع السلوك الغريزي أو الفسيولوجي، سواء كان ذلك لاستمداد الحاجة للدفء أو اشباع حاجة الجنس، أو تلبية لذلك الدافع الباطن نحو حفظ النوع. كما أن اختراع الإنسان لنموذج الزواج الدائم أو لنماذج شبيهة، أوجد رفقة ملزمة، دائمة بين الجنسين، ومعترفاً بها أيضا من قبل الغير. لكن الأمر بعد نيل قسط الإشباع الفسيولوجي المشار إليه أو خارج إطار الزيجة الدائمة يبدو مختلفا تماما. فحالما يترك أحد الجنسين حرا فإنه ينزع على ما يبدو نحو أشباهه سواء كان ذلك في أداء عمل، مزاولة هواية أو ترويح عن النفس مع آخرين. هذا واقع مشاهد. فسواء جال المرء في طرقات هذا البلد، في دروب مشرق العالم أو في غربه، سيلاحظ أن أغلب أشكال التفاعل الاجتماعي تنشأ بين أفراد من ذات الجنس. فالطيور، حين تحلق بحرية، فعلى أشكالها تقع، هكذا تنطق حكمة العرب.