الفساد... الطوفان القادم!
![د. عبدالحميد الأنصاري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1555928789945225900/1555928807000/1280x960.jpg)
هل يمكن القضاء على الفساد؟رغم كل الجهود العالمية في مواجهة الفساد وتطور آلياتها، وارتفاع وعي المجتمعات بآثارها المدمرة على الإنسان والتنمية، فإن قوى الفساد ما زالت أكثر قدرة على المراوغة والمقاومة، وقد كشفت منظمة الشفافية الدولية مؤخراً أن جهود أكثر من ثلثي الدول في محاربة الفساد ما زالت متعثرة، بالرغم من أن عبارة "مكافحة الفساد" الأكثر تداولاً على لسان المسؤولين فيها! ويبدو أن الفساد كظاهرة اجتماعية قديمة ملازمة للإنسان منذ وجوده على الأرض ستبقى تحدياً مستمراً تواجه البشرية، رغم تطورها المعرفي والإنساني، وذلك لحكمة إلهية عليا، تحفز قوى الخير والإصلاح لبذل مزيد من الجهود في مواجهته، كما يحدثنا القرآن الكريم عن بدايات الخلق، عندما تساءل الملائكة "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ". شكاوى الفساد الشكاوى من الفساد كثيرة، أشهرها المقولة البليغة لسمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، عندما كان رئيساً للوزراء عام 2004، والتي ذهبت مثلاً "فساد البلدية ما تشيله البعارين"، وهذه الشكاوى منها: الجدية المسندة بالأدلة وأصدر القضاء فيها أحكاماً، كالحكم الصادر على رئيس الوزراء الباكستاني السابق، وحكم القضاء الألماني بتسليم زعيم كتالونيا السابق إلى مدريد في قضية اختلاس أموال، ومنها ما زال محل تحقيق: كاتهام رئيس وزراء ماليزيا السابق الذي تم القبض عليه ومنعه من السفر ومصادرة أمواله، ومنها دعاوى الفساد الكيدية أو السياسية أو للتظاهر بالحرص على المال العام، تكسباً شعبياً رخيصاً، وتوظيفاً لشعار مكافحة الفساد لغايات سياسية. وما أكثر دعاوى الفساد، وما أقل جديتها وجدواها! ولعل الأحكام التي أصدرتها محكمة التمييز الكويتية بعد 7 سنوات من درجات التقاضي، في قضية الأربعاء الأسود التي تعد أطول قضية، توافرت لها أعلى ضمانات العدالة، وأكبر مرافعات الدفاع عن المتهمين، بحق الذين اقتحموا قاعة عبدالله السالم وخربوا ودمروا وأثاروا فزعا، ولم يكتفوا بذلك بل اعتدوا على رجال الشرطة والأمن، ولم يراعوا حرمة المجلس، فأدانت بعضهم وبرأت بعض الشباب المضللين، تعد نموذجا بارزاً لاتهامات الفساد المضللة! اليوم يطالب زعماء التحريض الفارون سمو أمير الكويت بالعفو بحجة: ما أخطأنا... إن أردنا إلا إصلاحاً ومكافحة للفساد! ولو صدقوا لعادوا وسلموا أنفسهم وتابوا واسترحموا. ختاماً: لا يمكن القضاء على الفساد، ويمكن ملاحقته وتحجيمه، لكن أخطر أنواع الفساد عندما يكون "مشرعناً"، وأعظمه حين يصبح "ثقافة مجتمعية"، عندئذ انتظر الطوفان القادم. * كاتب قطري