عن ثقافة التسطيح و«الفاشنيستا»!
يرسل هو كتاباته في طقس هو بين الشعر والنثر، متمنيا أن تستطيع دار النشر العربية العريقة تلك أن تنشر كتابه الثالث أو الرابع، هو صحافي عربي عريق طاف مدن العرب التي كانت تزينها صحفها مع أول قطرة نفط، حينها راحت تستقبل الصحافيين العرب وتفتح أبوابها ليساهموا هم في بناء صحافة حرة، مستقلة، حرة ومستقلة؟ بما هو مسموح به حينها أو متاح، لا نقد لرئيس الدولة الجارة حينها ولا لرئيس السلطة ولا "للصديقة" أميركا إلا نادرا، ولا للحامية بريطانيا إلا كما تكتبه صحفها التي يحميها ويحمي صحافييها وكتّابها قوانين وأنظمة جاءت بعد نقاشات مجتمعية وبرلمانية. هو وكتّاب آخرون عرب يتسكعون عند أبواب دور النشر المفلسة أو الموشكة على الإفلاس أو التي تمت السيطرة عليها من رأس المال النائم في فراش السلطة باسترخاء تام حتى الشخير!! كانوا يقولون إن على إعلامنا أن يتحرر من قبضة الدولة أو الإمارة أو الجمهورية أو الجماهيرية، وما لبثت أن خرجت من قبضة الرقيب القاسية إلى عباءة رأس المال المقيتة، ورأس المال في دولنا لا يسكن بعيداً عن السلطة، بل هم في حالة "عشق" دائم لم تعرف وصفها حتى إليف شافاق و"قواعد العشق الأربعون"!!جاء لصديقي الرد سريعا فدار النشر تلك لا تنشر مثل هذا النوع من الكتابات ربما خجلا أو تواريا من قول الحقيقة، وهي أننا لا نملك رفاهية طباعة كتاب لن يباع منه إلا نسخ معدودة، علينا أن نقيّم الكتب على حسب الموضة كما هي الحقائب النسائية والأحذية والفساتين والعبايات والأحجبة!!
ضحك ذاك الكاتب القدير الذي لطالما هندس صحفاً كثيرة في بلاده ودول الخليج الناهضة حينها، وقال أنا ابن المخيم كان بيتنا خيمة وغطاؤنا سماء واسعة لا تتعرف علينا كبشر مثل الآخرين، أما هواؤنا فلم يكن إلا ذاك القادم من تلال القدس المطلة على كل فلسطين، أنا ذاك الطفل الذي لم يعرف وجبة سوى الزعتر وزيت الزيتون وخبز الطابون تعجنه أمي بعرقها وبعض قلبها، فكل قلبها تركته في بيتها في حيفا عند خاصرة البحر.ردد أنا ذاك الطفل الذي كبر ليصبح ذاك الصحافي والكاتب، أنا لا أيأس سأرسل كتابي لكل دور النشر فلا يهم من ينشر وخطه السياسي، الأهم أن ينشر الكتاب وتصل كلمتي لهم كلهم، فلم يعد لي سوى الكلمات أهديها لأهلي هناك حيث الجدار الذي قسم المدن والعائلات بل البيوت نفسها إلى شطرين، أنا العنيد الذي لم يعرف ملعقة الذهب تلك إلا في كتب التاريخ عند الحديث عن أبناء السلاطين والأمراء. تجول طويلا وبعد أشهر عاد ليرسل رسالة قصيرة فيها كثير من علامات الاستفهام التي تأتي بعد كل كلمة. قال باختصار إن كل دور النشر أوصدت أبوابها، وعندما كثرت الأبواب راح يبحث عن نافذة ضيقة فاستشار أصدقاءه من الشباب فهم أكثر قدرة على فهم الواقع، وكيف يستطيع أن ينشر كتابه وهم أيضا ينشرون كل يوم عبر نشراتهم ووسائلهم الخاصة "بلوغز" والجرائد والمجلات الإلكترونية، وبعضهم يكتفي بالرسائل المشفرة عبر "فيسبوك" أو "الإنستغرام". ردد هو لن ينفع، فهذه كلها تجتزئ النص المتكامل الذي كتبته وتقتل الروح التي هي ليست في الفقرة الواحدة بل في كامل الكتاب، وعاد ليشرح وهم يحتسون القهوة على رصيف تلك المدينة والمقهى يعج بالرواد من الشباب فتيات وشبانا يحملون أجهزتهم وهواتفهم "الذكية"، ويتنقلون إلى عوالم مختلفة، وهم لم يغادروا قهوة الكابتشينو التي يحتسونها في ذاك المقهى على ذاك الرصيف الضيق.قامت إحدى الفتيات الصحافيات اليافعات الشديدة الحماس وقالت "وجدتها" سأجعل صديقتي "الفاشنيستا" تتحدث عنك بعض الشيء بين فستان وشنطة أو حفلة زفاف أو عيد ميلاد على شاطئ بعيد، فالأعياد والاحتفالات أصبحت هي الأخرى في خانة المنافسة لتبعد عن الملل المعتاد في حفلات الزفاف في صالات فنادق الخمس نجوم إلى ما يعرف اليوم بـ"دستنيشن ودنغ" بمعنى أن الموضة أن يكون الزواج في مدينة أخرى بعيدة، وحبذا لو كان عند شاطئ لازوردي حتى يحتفل الشباب بعيدا عن عيون "العسس"، وهي كثيرة في مجتمعات أدمنت أن تعيش حياتين واحدة في العلن وأخرى في عتمة الليل، أو في المدن البعيدة حيث لا قبيلة ولا مجتمع ولا هم يحزنون!ضحك صاحبي كثيرا حتى انهمر الدمع غزيراً، وقال: شكراً شكراً ولكن ما هذه "الفاشنيستا" بربكم؟! ملحوظة ضرورية: كل الشخصيات والأشخاص هي فقط من وحي الخيال ولا يراد بها شخص بعينه حتى صديقي والفاشنيستا!! حتى لا يطول القانون أحداً، ذاك القانون الذي لا يعرف سوى أن يسجن الأبرياء ويترك "الهوامير الكبار" في الهواء الطلق فوق يخوتهم يعبثون!! * ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية.