هلسنكي... لا شيء!
خلافاً لما يتوقعه البعض، فإنه لا تجب المراهنة أكثر من اللازم على لقاء اليوم في هلسنكي بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، خصوصاً ما يتعلق بالقضايا العربية ليست العالقة فقط بل الملتهبة والمتفجرة، فالأميركيون والروس لهم أولويات أخرى غير هذه الأولويات، وذلك مع أنه يمكن القول، وبدون أي تردد، إن التواطؤ المتبادل بين هاتين الدولتين هو السبب الرئيسي لتفجر هذه القضايا، إنْ في سورية، أو في العراق، أو في ليبيا أيضاً، وفي كل مكان بهذه المنطقة "التي باتت تجلس على كف عفريت" كما يقال.يقول المنجمون، الذين يكذبون في العادة وإن صدقوا أحياناً، إن أهم إنجاز لهذه القمة التي ستنعقد اليوم في هلسنكي سيكون رفع الأميركيين لعقوباتهم عن روسيا مقابل انسحاب الإيرانيين من سورية، وهذا في حقيقة الأمر يمثل إشكالية كبيرة، إذ إن إيران، التي تبدو في هذه الأيام كقصلة في مهبِّ ريحٍ عاتية، تعرف أن انسحابها من سورية سيكون بداية خروجها من العراق، وأن خروجها من العراق مهزومة سيعني سقوط النظام الإيراني، كما سقط نظام الشاه في عام 1979، وسيعني هذا تغير الخرائط السياسية، والجغرافية أيضاً للعديد من دول هذه المنطقة.
وقال وزير الخارجية الإيراني، وهو في موسكو خلال زيارته الأخيرة لروسيا: "إنَّ وجود إيران في سورية لا علاقة له بإسرائيل"، وهذه مسألة معروفة ومؤكدة وثبتت صحتها خلال أربعين عاماً، فالإيرانيون لم يستهدفوا "دولة العدو الصهيوني"، كما يقولون، لا بعد انتصار ثورتهم في عام 1979، ولا قبل ذلك... إنَّ هدفهم الدائم، إنْ سابقاً وإنْ لاحقاً، هو هذه المنطقة التي، للأسف، بقيت تشجع الطامعين فيها على تحقيق توجهاتهم وتحقيق أحلامهم.قد يتطرق رئيسا روسيا والولايات المتحدة في قمة اليوم إلى الأوضاع المتفاقمة في هذا البلد العربي، الذي بات في حالة لا تغيظ العدو ولا تسر الصديق، لكن الواضح لا بل المؤكد، أنهما لن يفعلا شيئاً يغير الأوضاع المنهارة كل هذا الانهيار في سورية، فكلاهما مرتاح إلى ما هو قائم ومستمر خلال سبعة أعوام وأكثر، والمعروف أن ما يهم الأميركيين والروس بالدرجة الأولى هو التفاهم على المشكلة الأوكرانية ومشكلة القرم، وبعض دول بحر البلطيق، وهو كذلك الصواريخ الأميركية في بعض دول أوروبا الشرقية، إضافة إلى التفاهم على كيفية التصدي للصين، التي باتت تنطلق اقتصادياً وعسكرياً... وفي كل شيء كانطلاق سهم من قوسٍ مشدودة الوتر.والمحزن في النهاية أنَّ بوتين لم يجد ما يرد به على استغاثة (أبومازن)، الذي التقاه أخيراً سوى قوله "إن الأوضاع في الشرق الأوسط سيئة ورديئة وهكذا، كأن الرئيس الفلسطيني لا يعرف حقيقة هذه الأوضاع، ولا يعرف أن بنيامين نتنياهو غدا لاعباً رئيسياً في هذه المنطقة، يسرح ويمرح بها كما يشاء، كما أنّ الاثنين يعرفان أن بقاء الأسد ونظامه مصلحة إسرائيلية، وأن هذا النظام الذي دمر بلداً عظيماً وذبح وشرد شعباً كريماً، قد حرس حتى احتلال الإسرائيليين للجولان كل هذه السنوات الطويلة.