على مدار سنوات طويلة، عانى أرشيف السينما المصرية اعتداءات جسيمة، جراء أسباب عدة أبرزها الإهمال الذي أدى إلى حذف وتدمير نحو 900 «نيغاتيف» لأفلام مصرية، وبيع النسخ الأصلية إلى قنوات عربية خاصة متخصصة في عرض الأفلام، بحسب نقاد سينمائيين، إذ لا يتوافر قانون في البلاد يضمن حماية التراث السينمائي من أيادي العابثين بالأرشيف. القرار الأخير الذي منح قبلة الحياة لهذا الكم الهائل من أشرطة السينما لاقى ترحيباً واسعاً في الأوساط الثقافية والفنية، وحمل توقيع وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم، التي أعلنت تدشين أول سجل في تاريخ السينما المصرية لتوثيق التراث السينمائي منذ عام 1896 وذلك في المركز القومي للسينما.وقال بيان للوزارة، إن هذا القرار يأتي في إطار سعي وزارة الثقافة إلى الحفاظ على التراث السينمائي المصري، الذي شكَّل على مدى عقود الهوية للمواطن العربي، وظل دائماً أحد الروافد المهمة للثقافة العربية، كذلك أدى دوراً بارزاً في تصدر مصر المشهد الثقافي عربياً وعالمياً.
من جانبه، أوضح مستشار وزيرة الثقافة لشؤون السينما ورئيس المركز القومي للسينما، خالد عبد الجليل، أنه بموجب هذا القرار ستُسجّل الأفلام السينمائية التي تمثل تاريخاً للسينما المصرية، كذلك المقتنيات السينمائية بمختلف أشكالها وأنواعها في هذا السجل، الذي سيكون التوثيق فيه بمنزلة «جواز مرور» لأي من التصرفات الخاصة بهذا المقتنى التراثي، بما في ذلك المعارض الداخلية والخارجية مع احتفاظ أصحاب التراث بالحقوق المادية والأدبية كافة التي يضمنها قانون الملكية الفكرية المعمول به في مصر، وتعهد الدولة بالقيام بالإجراءات اللازمة لحماية هذا التراث وترميمه ورقمنته وعرضه بالمقاييس العلمية العالمية كافة.وتابع عبد الجليل: «سنوثّق المقتنيات والأجهزة كافة التي تجاوز عمرها 50 عاماً»، لافتاً إلى أن أبرز الأفلام السينمائية التي سيسجلونها أُنتجت خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، مثل «عودة الابن الضال، والمذنبون، وبعيد عن الأرض، ورحلة الأيام، وأخواته البنات، وحافية على جسر الذهب، ودائرة الانتقام، وعالم عيال عيال، وفيفا زلاطة، والحب المورستاني، والمجد الخالد».وتحوي قائمة الأفلام المقرر ضمّها خلال فترة ما قبل السبعينيات أفلاماً أبرزها: «أفراح، وآخر كدبة، وآه من الرجالة، وأمير الانتقام، وأخلاق للبيع، وأسمر وجميل، والأفوكاتو مديحة، والعقل زينة، والمليونير، وامرأة من نار، وبلدي وخفة، وبنت باريز، وجوز الأربعة، وحبايبي كتير، وحماتك تحبك، ودماء في الصحراء، وست الحسن، وشاطئ الغرام، وطريق الشوك، وغرام راقصة».
الإسكندرية شهدت أول فيلم قبل 123 عاماً
تزامنت علاقة مصر بالفن السابع «السينما» مع انطلاقته في العالم، إذ إن أول عرض سينمائي تجاري في العالم كان في ديسمبر 1895 في الصالون الهندي بالمقهى الكبير «غراند كافيه» في باريس، وكان عبارة عن فيلم صامت للأخوين «لوميير»، وبعد هذا التاريخ بأيام قُدم أول عرض سينمائي في مصر في مقهى «زواني» بمدينة الإسكندرية الساحلية في يناير 1896، وتبعه أول عرض سينمائي في القاهرة في 28 يناير 1896 في سينما «سانتي»، ثم كان العرض السينمائي الثالث بمدينة بورسعيد عام 1898.وافتتحت أول «سينما توغرافي» لـ«لوميير» في الإسكندرية، في منتصف يناير 1897، وحصل على حق الامتياز هنري ديللو سترولوجو الذي أعدّ موقعاً فسيحاً لتركيب آلاته، واستقر على المكان الواقع بين «بورصة طوسون» و«تياترو الهمبرا». ووصل إلى الإسكندرية المصوِّر الأول لدار لوميير «بروميو» الذي تمكن من تصوير بعض ميادين المدينة، ويعد هذا أول تصوير سينمائي لبعض المناظر المصرية عُرضت في دار سينما لوميير، واعتبر 20 يونيو 1907 بداية الإنتاج السينمائي المصري.هكذا ظهرت الأفلام المصرية الإخبارية القصيرة التسجيلية. أما أول فيلم روائي فظهر عام 1917، وأنتجته «الشركة السينمائية الإيطالية المصرية»، كذلك أنتجت «الشرف البدوي» و«الأزهار القاتلة» ويرجع الفضل إليها في إعطاء الفرصة للمخرج المصري محمد كريم في الظهور في الفيلمين، وهو يعد أول ممثل سينمائي مصري.وعلى مدى أكثر من مئة عام قدمت السينما المصرية نحو خمسة آلاف فيلم تمثل في مجموعها رصيد السينما العربية الذي تعتمد عليه الآن الفضائيات العربية، وتعتبر مصر أغزر دول الشرق الأوسط في الإنتاج السينمائي.