دخلت التظاهرات في العراق، أمس، أسبوعها الثاني، في تحرك احتجاجي شهد عنفاً أسفر عن قتلى وجرحى، مما يسلط الضوء على الضائقة الاجتماعية التي تعانيها شريحة كبيرة من هذا البلد، الذي أنهكته 15 عاماً من النزاعات الدامية.وبعد نحو ستة أشهر من إعلان السلطات العراقية «النصر» على تنظيم «داعش»، ووسط انخفاض كبير في معدل العنف في البلاد، التي سقط ثلثها بأيدي «الجهاديين» قبل أربع سنوات، عادت المشاكل الاجتماعية لتحتل رأس سلم الأولويات.
البصرة
وقطع متظاهرون عراقيون، أمس، ثلاثة طرق رئيسية في البصرة، أحدهما طريق «حقل السيبة» النفطي، الذي تديره شركة «كويت إنرجي». وأكد مدير شرطة نفط الجنوب العميد علي حسن هليل أن حقل «السيبة» الغازي ومستودع الفاو النفطي جنوب البصرة شهدا «تظاهرتين سلميتين».وقالت الشرطة العراقية، إن نحو 200 متظاهر تجمعوا عند المدخل الرئيسي لحقل السيبة. كما تظاهر مئات العراقيين أمس، في قضاء أبي الخصيب بمحافظة البصرة للمطالبة بتحسين الخدمات وتوفير فرص عمل، فيما قطعوا شارعاً رئيسياً.وقال مسؤولون في حقل السيبة، إن الاحتجاج لم يؤثر على العمليات في الحقل. واحتشد سكان غاضبون من مدينة البصرة عند المدخل الرئيسي لثلاثة حقول نفط رئيسية هي غرب القرنة 1 وغرب القرنة 2 والرميلة. وقال مسؤولون محليون، إن الاحتجاج لم يؤثر على إنتاج الخام أو عمليات التصدير.وفي البصرة، برزت أمس حادثة ذات دلالات سياسية، إذ أقدم متظاهرون على إحراق صور مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران الخميني، وتناقلت مواقع التواصل شريطاً مصوراً يظهر الحادثة. وفي الأيام الماضية ردد متظاهرون شعارات ضد إيران، كما أحرقوا مقرات أحزاب مقربة منها.وقال مسؤولون بميناء أم قصر العراقي، إنه جرت إعادة فتح البوابات الرئيسية بالميناء القريب من البصرة أمس، بعد ثلاثة أيام من إغلاق محتجين له. وذكر ثلاثة مسؤولين أنه تم استئناف الأنشطة في الميناء بعد مفاوضات مع المحتجين. ويستقبل ميناء أم قصر شحنات الحبوب والزيوت النباتية والسكر ومعدات شركات الطاقة العاملة في العراق.احتجاجات متفرقة
وتجددت التظاهرات أمس، قرب مبنى مجلس محافظة ذي قار، للمطالبة بتحسين الخدمات قبل أن تفرقهم القوات الأمنية. وأقدم متظاهرون غاضبون على قطع الطريق الرئيس الرابط بين ذي قار وبغداد.وقال شيخ قبيلة العبودة في محافظة ذي قار حسين علي الخيون، إن الحكومة «لم تبادر فعلياً بالاستجابة لمطالب المتظاهرين المشروعة والتي لا تتخطى توفير الخدمات وايجاد فرص العمل للعاطلين». وأكد أن عشائر ذي قار تقف إلى جانب المتظاهرين، لكنه أدان ما حصل من حرق بعض الدوائر الرسمية. وتظاهر المئات في محافظة الديوانية أمام مقر الحكومة المحلية في المحافظة.وشهدت مدينة كربلاء إجراءات أمنية مشددة في مناطق وشوارع رئيسية وفرعية، تحسباً من تجدد انطلاق التظاهرات.9 قتلى
ومع نهاية اليوم التاسع من التظاهرات، ارتفعت أعداد ضحايا الصدامات بين المتظاهرين وقوات الأمن إلى 9 قتلى وإصابة نحو 250 آخرين حسب مصادر طبية.وكان رئيس الوزراء حيدر العبادي، أكد، أمس الأول، أن قوات الأمن منعت من استخدام الرصاص الحي إلا في حال الدفاع عن النفس. وقال العبادي في كلمة له أمام الوزراء الأمنيين ورؤساء الأجهزة الأمنية إن «معركتنا الرئيسية هي أن نكون على أهبة الاستعداد للتصدي للإرهابيين، وضرورة التصدي للاعتداءات على مؤسسات الدولة، ومن لا يتصدى للدفاع عن مؤسسات الدولة يعتبر متخاذلاً».وتابع «نحتاج إلى معلومات استخبارية دقيقة لعزل المواطنين الحقيقيين الذين يطالبون بحقوقهم عمن يعتدون على مؤسسات الدولة ويحرقونها»، مردفاً أن «هناك جهات من الجريمة المنظمة تحاول صب الزيت على النار». ودعا العبادي إلى «استخدام وسائل أخرى بدل الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين»، لافتاً إلى أن «عدم استخدام الرصاص الحي ليس معناه عدم التصدي».الكهرباء من الرياض
وبعد قطع طهران الكهرباء عن العراق بحجة وجود ديون متراكمة أعلنت الحكومة العراقية أن العبادي أوفد وزير الطاقة قاسم الفهداوي إلى الرياض لعقد اتفاق متعلق، حسب مصادر، بإمداد بغداد بالكهرباء.وكان الفهداوي أعلن في وقت سابق وضع خطة بديلة لاستيراد الطاقة الكهربائية من إيران. وأرجع الفهداوي السبب وراء ذلك إلى إعلان الجانب الإيراني عدم تمكنه من إعادة خطوط الاستيراد الأربعة إلى الخدمة من جديد.ولم يتطرق الوزير العراقي إلى الأسباب، التي دفعت إيران إلى إيقاف تجهيز العراق بالكهرباء، لكن مسؤولين في وزارة الكهرباء يرون أن القرار ربما يتعلق بديون مترتبة على وزارة الكهرباء جراء استيراد الكهرباء للعراق. يذكر أن العراق يستورد منذ سنوات أكثر من 1200 ميغا واط من ايران لسد حالة النقص في إنتاج المحطات الكهربائية عبر أربعة خطوط تجهيز.علاوي
في غضون ذلك، شدد نائب رئيس الجمهورية اياد علاوي رئيس ائتلاف الوطنية على أن «التظاهر السلمي وعدم التعرض للمتلكات العامة هو الطريق الأمثل، الذي كفله الدستور لتحقيق المطالب»، مضيفاً أنه «على الحكومة الشروع بإجراءات حقيقية وعاجلة لطمأنة المحتجين لتنفيذ وعودها بالاستجابة لمطالبهم المشروعة».وكان علاوي دعا، أمس الأول، إلى تشكيل حكومة لإنقاذ البلاد وتهدئة الأوضاع وإجراء انتخابات جديدة ونزيهة.مطار النجف
وغداة إعلان مطار النجف الدولي استئناف الرحلات الجوية في المطار، قال مدير المطار الجديد علي كاظم، إن «المطار سيستقبل 18 طائرة».وقالت وزارة النقل في بيان، إن «وزير النقل كاظم فنجان الحمامي وصل إلى مطار النجف الدولي برفقة وفد وزاري من سلطة الطيران المدني العراقي والخطوط الجوية العراقية».وذكر الحمامي، بحسب البيان، أن «وزارة النقل تبذل جهوداً وأعمالاً كبيرة من أجل تقديم جميع التسهيلات أمام حركة الطائرات إلى المطار باعتباره يمثل حلقة التواصل مع العالم الخارجي، وأن المطارات وجدت لخدمة المواطنين وزائري مدينة أمير المؤمنين وكربلاء المقدسة». وأضاف الحمامي، أن «مطار النجف الأشرف الدولي استقبل الأحد رحلة جوية قادمة من مطار بيروت لشركة طيران الشرق الأوسط باتجاه المدينة المقدسة».وسبق للعراقيين أن عاقبوا الطبقة الحاكمة بالإحجام الكبير عن التصويت في الانتخابات التشريعية، التي شهدتها البلاد في 12 مايو الماضي، ويطالبون اليوم بتوزيع عادل للعائدات النفطية، خصوصاً بجنوب البلاد المتوتر منذ أسبوع.وتشكل الموارد النفطية للعراق 89 في المئة من ميزانيته، وتمثل 99 في المئة من صادرات البلاد، لكنها تؤمن 1 في المئة من الوظائف في العمالة الوطنية لأن الشركات الأجنبية العاملة في البلاد تعتمد غالباً على عمالة أجنبية.وتبلغ نسبة البطالة بين العراقيين رسمياً 10.8 في المئة. ويشكل من هم دون 24 عاماً نسبة 60 في المئة من سكان العراق، مما يجعل معدلات البطالة أعلى مرتين بين الشباب.وبالنسبة للمحتجين الذين هاجموا مقار مختلف الأحزاب السياسية في كل المحافظات الجنوبية، حيث أحرقوا بعضها أو أنزلوا صوراً علقها السياسيون أنفسهم، فإن المشكلة الكبرى الأخرى، هي الفساد.يؤكد هؤلاء أنه منذ الغزو الأميركي للعراق الذي أطاح بنظام صدام حسين عام 2003، استولت الطبقة الحاكمة على الأموال العامة والموارد الطبيعية والمشاريع العامة، وحرمت العراقيين من البنى التحتية الأساسية.عودة جزئية للإنترنت
أكد الناطق الرسمي لوزارة الاتصالات، حازم محمد علي، أنه تم تشغيل خدمة الإنترنت من الساعة الحادية عشرة مساء الأحد حتى الساعة الواحدة بعد منتصف ليل الأحد- الاثنين بشكل مؤقت.وقال علي، في بيان، إن «الوزارة استنفرت جميع قدراتها الهندسية والفنية من أجل الإسراع لإعادة توفير خدمة الإنترنت بسرعة وكفاءة عالية عن طريق شبكة مستقرة غير متذبذبة».وعادت خدمة الانترنت جزئيا في بعض المناطق، لكنها بقيت بطيئة، في حين بقيت مقطوعة بالكامل في مناطق أخرى.وقالت قناة «السومرية» العراقية، إن انقطاع خدمة الانترنت يومين متتاليين، «أدى الى توقف عمل الشركات التجارية والمصارف، وأثار امتعاض المواطنين الذين تكبدوا خسائر مالية».ونشرت «السومرية» النص الدستوري، الذي يتحدث عن حرية الاتصالات في العراق، بما فيها الهاتفية والالكترونية، والذي ينص على أن «حرية الاتصالات والمراسلات البريدية والبرقية والهاتفية والالكترونية وغيرها مكفولةٌ، ولا يجوز مراقبتها أو التنصت عليها، أو الكشف عنها، إلا لضرورةٍ قانونيةٍ وأمنية، وبقرارٍ قضائي».