حتى أبريل 2003 كانت هناك تماثيل برونزية اصطفت على ضفاف شط العرب، وفي وسطها انتصب تمثال أضخم من البقية، كان لعدنان خيرالله، وزير الدفاع في زمن الحرب العراقية الإيرانية، وهو ابن خال صدام، خير الله طلفاح، والد زوجته ساجدة. من المعلوم أن خيرالله كان قد مات في حادث سقوط طائرة "بنيران صديقة"، كما يبدو، فكانت ضخامة التمثال تخليداً لذكراه. بدون مقدمات توجهت جموع "السلابة" إلى تلك التماثيل البرونزية، ولم تكن لديهم اعتبارات شخصية أو سياسية، بل كان مرادهم تقطيع البرونز، ومن ثم بيعه "سكراب" أو "خردة". استعصى تمثال خيرالله على السلابة نظراً لضخامة حجمه، حاولوا جره للأرض بالحبال ووسائل أخرى إلى أن تمكنوا من طرحه أرضاً وتقطيعه، بعد جهد كبير.في مكان ليس ببعيد عن الشط وقفت دبابة بريطانية قرب فرع لمصرف، وكان هناك تمثال برونزي صغير ظل صامداً. سألني ضابط الدبابة حين مرورنا قرب المكان، لماذا لم يكسروا هذا التمثال؟ أجبته أن التمثال لشاعر عراقي مشهور من بلدة جيكور بابو الخصيب، اسمه بدر شاكر السياب، ربما لهذا السبب. وأعاد السؤال، هل أنت جاد؟ قلت له هذه معلومة، وليست رأياً. أما الرأي فهو لعلك تجد هنا في البصرة ما يحيرك، ربما كم المتناقضات التي لا نهاية لها. من المعلوم أن السياب عندما تدهورت صحته كانت آخر أيامه في المستشفى الأميري بالكويت، حيث ظل فترة علاج طويلة، إلى أن توفي بالمستشفى في 24 ديسمبر 1964.
يعرف أهل البصرة بالطيبة والصبر على الضيم والتحمل ربما أكثر من غيرهم من الأركان العراقية، وكذلك البصرة مركز ثقافي عالي الجودة للشعر والثقافة والفن، وهي منطقة تلاقحت فيها الثقافات بشكل ملحوظ.يبدو أن صبر أهل البصرة قد طفح، فمطالبهم البسيطة عبر السنين لم يلتفت لها أحد، مثل "معالجة ماء الأسالة، وأن تكون الكهرباء لمدة 24 ساعة، وتقليص البطالة، وتوزيع الأراضي لمن لا يملك قطعة أرض، وتحديد سقف زمني لتنفيذ ذلك".المطالب تزايدت مع استشراء حالة فساد غير محتملة، وانعدام ثقة بالأحزاب السياسية، وبالتالي تحولت الهمهمات إلى حراك شعبي حقيقي، إلا أنه يعاني، عدم وضوح في القيادة القادرة على تحويل تلك المطالب المشروعة إلى نتائج على الأرض. أما وقد تحركت البصرة والجنوب معها فمن غير المعلوم كيف ومتى ستتوقف؟ صار علينا هنا بالكويت أن ندرك أن مصلحتنا تقتضي العمل على استقرار العراق، وبالتالي هي مصلحة تتوافق مع مصالح عموم جمهور العراق، وهي بالإضافة إلى أنها قيمة إنسانية فضلى فإنها مصلحة استراتيجية من المفيد تطويرها وتوجيهها لخدمة الاستقرار وتقوية مصالحنا المشتركة التجارية والاجتماعية والاقتصادية والاستراتيجية. السياسة أضاعت فرصاً كثيرة، ولم يعد هناك مزيد من الزمن لإضاعته، فكل شيء يمكن أن ينتظر إلا الوقت، والرهان عليه غير مفيد.
أخر كلام
حراك البصرة بين تمثالين
18-07-2018