أحب الشعر وفي الوقت ذاته أحب الحب، فمنذ البدء جعلت الشعر شريكاً لي في كل قصة حب، حتى قبل أن أحب فعلاً، كنت أتوهّم حكايات حب من بطولتي أرسمها على مقاس قصيدة قد كتبتها سلفاً، أو أنسج من صوف الخيال لموقف عاطفي لم يحدث بعد كنزة أو شالاً على مقاس صدر قصيدة على وشك القدوم أو تنّورة على مقاس عجُزها!لسبب ما حين أعود بذاكرتي لذاك الزمن أكاد أشك في أني أردت أن أحب فقط من أجل خاطر الشعر لا من أجل خاطر قلبي!
أدهشني الشعر بعالمه الثري وغرائبه الشهية، وعرفت باكراً أن الحب ماء شجرته السحرية، فكنت في بحث دائم له عن حبيبة إما من الوهم أو من الواقع أو من مزيج منهما!ما أذهلني هو مدى محبة الشعر للحب ومدى عشق الحب للشعر، وكيف أن كلاً منهما يرى أن الآخر مرآته أو نصفه الذي لا يكتمل إلا به، ومن حينها وعدت نفسي ألا أفرّق بينهما في داخلي ولو من أجل: حبيبة!كل حبيبة حاولت ذلك خسرت في آخر المطاف الاثنين، وكم خسرت حبيبة أو ما شابهها بسبب تلك القناعة التي أعرف مسبقاً كم هي ساذجة، وكم تبدو مخرج هروب من التزام ما لدى كثيرين، وأرى أن لا بأس عليهم في ذلك ولا لوم، ففهم ذلك معقّد، وحينها يأتي دور الرماد الذي يلتهم معظم الحكايات التي تتعلق بجذوة الحب.يصعب فهم هذه العلاقة بين الشّعر والحب، إنها في نظري شائكة جداً، حتى على بعض الشعراء، فهي قصة ضاربة في الأزل، لقد اتهم الناس منذ البدء الحب بأنه أعمى، فتنازل الحب عن عينيه للناس، واتهموه بالجنون فتنازل لهم عن عقله، وبالشيطان الأخرس، فتنازل عن لسانه.بقي الحب زمناً على تلك الحالة الشبيهة بالموت السريري إلى إن خُلق الشعر، فتبنى الشعر الوكالة عن كل حواس الحب، لا يرى الجمال والبشاعة بعين ترى ما خلف الظاهر كالشعر، فأصبح عينيه، ولا يملك نذر الخيول بالزلازل كالشعر، فأصبح سمعه، ولا يسهب في أنساب الورد من رائحة الشذى كالشعر، فأصبح أنفه، ولا يقرأ آيات الندى على يباس العقل وآيات الحنان على شطحات الجنون كالشعر، فأصبح الشعر قرين الحب والمتحدث بلسانه، لا يرى الحب ولا يتنفس ولا يشعر بالأمان إلا بوجود الشعر، كما أن الشعر رأى في الحب ما يغسل رداء كلماته بماء الشغف، فيعيد لها النضارة والحياة كل صباح، ووجد في سماء الحب ما يصنع له في كل يوم دهشة المعاني، وروعة الصور، فيبعث فيه الروح كل مساء، ومن حينها أصبح فصل أحدهما عن الآخر إعاقة شبه دائمة لكل منهما، وجريمة تدمي أكثر من قلب، وحرام لا يرتكبه إلا فاقد رحمة!
توابل - ثقافات
حبل الرسن في يديه! (1-2)
19-07-2018