كان الليل ولا يزال مصدراً رئيساً للإلهام عبر تاريخ الفنون. شرقاً، ظهر الليل بقوة منذ القرن الثامن في حكايات «ألف ليلة وليلة»، تقدم إلى الصدارة في الغرب خلال القرون الوسطى؛ بداية في المنمنمات التي كانت تزين الكتب، من بينها «الساعات الفنية لدوق دوبيري» من تأليف الأخوين ليمبورغ بين 1412 و1416. منذ القرن السادس عشر، سمح التطور التقني للفنانين، برسم الليل بالسهولة نفسها كما النهار، وبرزت على مر العصور، أعمال تمجد النور.
حركة الزمن
يستخدم هنيبعل سروجي (مواليد لبنان1957) تقنية الأكريليك والنار التي توحي بالدمار الذي خلفته سنوات الحرب، وأبعدته عن بلده؛ فيدين حالة النسيان الجماعي تجاه الحرب؛ وإمحاء المأساة من الذاكرة العامة. فنه يعكس الحريق الداخلي والوجع. يشارك في المعرض بعمل في عنوان «الفجر» (2002) يمثل مشهداً من الليل الذي ينجلي. الفجر هو في قلب أعمال زينة إدلبي (مواليد سورية عام 1960)، ويشتمل عملها التشكيلي على تآليف كبيرة، يتناوب فيها الخط والرسم، وتمتزج الرموز المتماوجة والظلال المتكسرة، لتبتكر فضاء من الشعر والأدب والألوان. «ليحمل الليل أحلامك إلى ما وراء الفجر»، عنوان العمل المعروض ترسم فيه مطالع المسار إلى قلب الليل.أنجز تاكايوشي ساكابيه (مواليد اليابان 1953) أعمالاً تمثل وجه امرأة نائمة؛ وضعية الجسم النسائي الممدد، كما العينين المغمضتين، واليدين الممسكتين بطرف الغطاء، والرأس المائل على الوسادة. أشخاصه هم دائماً في حالة بينية؛ بين الحركة والجمود؛ بين الرقص والموت؛ بين الظهور والغياب؛ بين البداية الضائعة والنهاية المفقودة.تنتمي أعمال جان جيريل (مواليد فرنسا 1947) الخزفية إلى زمننا وإلى أي زمن آخر. مولودة في التراب والنار، في الماء والهواء؛ هي ثمرة 40 سنة مكرسة لدراسة الخزف الصيني لحقبة «سونغ» بين 950 و1279. يعرض الفنان المتعدد التقنيات فرنسوا سرغولوغو (مواليد لبنان 1955)، صوراً منتقاة من مجموعة «بيروت إمبراطورية»، يعكس فيها عالماً قائماً بذاته انطلاقاً من صور محفوظة في ألبومات عائلية قديمة. يتداخل فيها الواقع بالحلم، ثم يندمجان تحت قبة سماء مرصعة بالنجوم، أو في ضوء النهار.نيقولا تورت (مواليد فرنسا 1977) نحات، ورسام، ومصور فوتوغرافي وفيديو، يحاول بواسطة فنه أن يتواصل مع مفاهيم الزمن والحركة؛ مع النظم والمرجعيات. يقدم فيديو محوره قمران يدوران، واحد في اتجاه عقارب الساعة والثاني في الاتجاه المعاكس، يدوران حول ذاتهما، بالوتيرة نفسها، كأنهما أداة موسيقية، إنه إيقاع دوران الأزمنة، حركة تفتح أفقاً على عالم آخر، عالم الفن.حلم ليلة شرق
تركز أندره هوشر فتال (مواليد لبنان 1942) عملها على المرأة فتصهرها في البرونز وتعطيها ألواناً داكنة، ألوان الليل. عنوان عملها المشارك في المعرض «النعاس، حلم ليلة شرق».بالنسبة الى سامويل كوانت (مواليد بلجيكا 1980)، الليل هو «لحظة ومكان» بامتياز، حيث تتلاشى نقاط ارتكاز النهار أو تترك مكانها إلى بعد آخر من أبعاد الفضاء، لفهم آخر للأشياء. من نافذة مشغله في بروكسيل يستكشف الفنان السماوات ونجومها، والمجرات، وبريق الكواكب، والأعماق اللامحدودة للفضاء، الذي يسحره ويلهمه. عبر «اصنع كونك الخاص»، يبتكر سامويل كوانت فلذة من الكون بشظايا الزجاج، وبها يفتح نافذة على الليل.يركز جيلبير حاج (مواليد لبنان 1966) نظره الثاقب على تطور المجتمع اللبناني، ويصور التحدي الاجتماعي الإضافي الذي تطلقه الشابات اللبنانيات بطريقة ارتداء ملابسهن.شارل بيل (مواليد فرنسا 1956)، استحوذ عليه الرسم، وابتلعه الليل منذ الطفولة. «كل ثنايا الليل»، عمله المشارك في المعرض هو استعادة تذكارات لقائه مع الأشجار خلال المشاوير الليلية.الليل له حضور في أعمال جيل ماريه (مواليد فرنسا 1963)، في مشاهد الطبيعة كما في رسوم داخل البيوت. لا يقتصر حضور الليل على مصادر النور التي تضيء المشهد، كالثريات والمشاغل وأعمدة الإضاءة ولكن في حضور الألوان الليلية. الأزرق البحري الغامق يخف تدرجاً وصولاً إلى الأبيض المبهر. «صوت الليل» عنوان مجموعة رسوم لشاطئ وحشي مهجور، حيث تتكسر الأمواج، وتنعكس عليها أضواء المدينة البعيدة.أول رسومات مجموعة ملغورزاتا باشكو (مولودة في بولونيا 1956)، عنوانها «قلب الليل» اكتملت سنة 2010؛ بالتزامن مع مجموعة أخرى من المشهديات عنوانها «ضوء النهار». أظهرت مشاهد الليل شوارع وجادات تغمرها العتمة؛ تذكارات مكتومة من أيام الشباب. تلاحق نانسي دبس حداد (مواليد لبنان 1966) بعدستها نظماً ميكانيكية شديدة الدقة؛ تستكشف تفاصيلها المعقدة؛ وتسائل خزائن الذاكرة، ثم تظهر مشاهد ليلية، مثل سماء منجمة، أو مجرات بعيدة، أو مدن خالبة تغمرها الأضواء. إيتيل عدنان (مواليد لبنان 1925) ترسم مشاهد غامضة وملونة؛ هي فيلسوفة وشاعرة أيضاً. الليل والذاكرة يختبئان معاً وتتسكع عبرهما على غير هدى.عزة أبو ربيع
تعرض عزة أبو ربيع (مواليد سورية 1980)، عشرة رسوم مطبوعة على الخشب منفذة في بيروت عام 2018، مباشرة بعد خروجها من سجون النظام. بالنسبة إلى الفنانة الشابة التي قضت أربعة أشهر في زنزانة، تلك الليالي المئة والعشرين هي نسخة طبق الأصل، تعادل انتظاراً طويلاً. «خلال الليل، كنت أرسل أفكاري صوب الذين تربطني بهم معرفة، وهم يجهلون مكان وجودي؛ كل دقيقة كانت مثل البداية بالنسبة إلي؛ ثم يأتي النهار ويستولي علي الأمل بالانعتاق».