الحراك الشعبي الذي شهده جنوب العراق بدءاً بمحافظتي النجف وكربلاء وانتهاءً بمحافظة البصرة، حيث ثاني أكبر المدن العراقية، عكس حالة الغضب غير المتحمل الذي بلغ أدنى مستويات المعيشة بما في ذلك المياه الصالحة للشرب الآدمي، بحسب رأي المتظاهرين.قد لا تكون الانتفاضة البصراوية عارمة رغم محاولة الاستغلال الإعلامي وسعي البعض إلى تهويلها عبر الأخبار المضللة في الاستيلاء على حقول النفط والمنافذ الحدودية مع الكويت، واحتلال المباني الحكومية، وحتى الإعلان عن سقوط النظام، إلا أنها كانت في حجمها ومضامينها كافية لهز أركان الحكومة التي سعت لأول مرة إلى تقبل رسالة المحتجين، وأرسلت بعض المساعدات العاجلة، وأعلنت تخصيص مبالغ ضخمة لمشاريع مستقبلية في نسخة مكررة لسلوك معظم النظم العربية التي تخاف ولا تخجل من شعوبها.
محافظات الجنوب وخصوصا البصرة تمثل العشائر العربية الأصيلة، وتجسّد صورة نموذجية من التعايش الوطني السلمي والمتوارث، إذ تضم أكبر القبائل وأكثرها اندماجاً مذهبياً بعيداً عن أشكال التعصب الديني، كما يشهد لأهاليها أنهم مسالمون إلى أقصى الحدود، رغم انفجار هذا الهدوء في حالة الظلم، كما حدث في وجه العثمانيين ومن بعدهم الإنكليز في انتفاضة 1920، وأخيراً في الانتفاضة الشعبية ضد نظام البعث عام 1991. البصرة أكبر مدن العراق بعد العاصمة بغداد، وهي شريان الحياة الذي يضم معظم حقوله النفطية، ومنذ سقوط صدام حسين كانت أكثر المناطق أمناً، ولم تخترقها عصابات التكفير وجماعات «داعش» الإرهابية، وكانت الأرض المثالية وذات الطبيعة الجميلة وجغرافيتها المميزة للبدء بإعادة إعمار عراق جديد على مدى عقدين من الزمن، ورغم ذلك تحولت إلى محافظة منسية، وعلى الرغم من تضحيات أهالي البصرة وتلبية أبنائها نداء الواجب في قتال «داعش» فإن ذلك لم يشفع لها، فازدادت فقراً وحرماناً طال حتى التمثيل السياسي في حكومات المحاصصة الطائفية والعرقية المتعاقبة.قد يكون من أسهل طرق ضرب وتشويه هذا الحراك اتهامه بالمندسين، ولكن إذا كان المندسون في نهاية المطاف يصطادون في المياه العكرة، ويتسلقون على آلام الناس وطموحاتهم، ويركبون موجة المطالبة الواسعة بحقوقهم، فإن من قام بتعكير المياه وتسبب في آلام الناس ومهّد لانفجار الغضب الشعبي هو من أعطى الفرصة لهؤلاء المندسين والمتسلقين ليستغلوا الموقف، فلم يكتفوا بتحريض الناس على إتلاف ممتلكاتهم الوطنية، بل سعوا من خلال بعض الممارسات والشعارات الرخيصة إلى إحياء روح الاستعداء تجاه جيرانهم، ومنها الكويت التي تكنّ للعراق وشعبه عموماً والبصرة خصوصاً كل تقدير واحترام لعوامل موضوعية؛ منها الامتداد القبلي، وتداخل الكثير من العوائل بين البلدين من جهة، وتشابك المصالح ووحدة مفاهيم الأمن الوطني في بعديه الفردي والإقليمي بينهما من جهة أخرى، لذا نتمنى من المسؤولين الاتعاظ من درس الجنوب وغضب البصرة في رسالتها الأولى حتى يتقوا شر خرابها، لا سمح الله!
مقالات - اضافات
قبل خراب البصرة!
20-07-2018