وثيقة لها تاريخ : بأمر أمير البلاد... «مجلس أهلي» للنظر في كيفية إدارة تركة القاصرين من ذرية حمد الصقر عام 1930
استعرضنا في المقال السابق جزءاً من وثيقة جميلة تتعلق بوصية التاجر حمد بن عبدالله الصقر، رحمه الله، في عام 1930م، وقلنا إن الوصية تشير إلى تخصيص ثلث التركة لأعمال الخير والبر، وأن تكون بإشراف وإدارة صقر بن عبدالله الصقر، الذي أعطته الوصية حق أن يكون وصياً على القاصرين من أبناء وبنات أخيه حمد. واليوم نُكمل القراءة في الوصية التي بسبب أهميتها وحجم الأموال التي تتضمنها أمر أمير البلاد بتشكيل لجنة من الثقات والفقهاء، لأخذ قرار حول كيفية إدارة التركة الكبيرة من خارج الثلث الموصى به في أعمال الخير. تقول الوثيقة: "ولما كان عبدالله وعبدالعزيز أبناء المرحوم الحاج حمد (الصقر) المذكور صالحين لأن يكونا وصيين لأبيهما ومتوليين على القاصرين من إخوتهما محمد وجاسم وعبدالوهاب ونورة ومنيرة وفضة وحمل في بطن زوجة أبيهما فاطمة بنت الحاج سليمان بن عبدالله البسام، بما ثبت لدى محكمة الكويت الشرعية أنهما رشيدان بشهادة كل من الرجلين المقبولة شهادتهما شرعاً، وهما الحاج حمد الخالد الخضير والحاج مرزوق بن داود البدر، وأن أبيهما قد آنس رشدهما في حياته...".
ومعنى هذا الكلام، أن المحكمة مقتنعة بأهلية عبدالله وعبدالعزيز، ابني حمد الصقر لتولي شؤون إخوتهما القاصرين، وذلك من خلال ما ثبت من اطمئنان والدهما، قبل وفاته، لقدرتهما على ذلك، ومن خلال شهادة رجال ثقات أمام القضاة. لذلك، تقول الوثيقة، تم تشكيل لجنة أهلية، بأمر أمير البلاد الشيخ أحمد الجابر الصباح، تضم شخصيات مهمة لاتخاذ قرار حول كيفية إدارة التركة، واتخذت هذه اللجنة قراراً مهماً لتنظيم عملية الإدارة. وطبقا للوثيقة، "وقد أمر حاكم الكويت الأجل الشيخ أحمد الجابر بعقد مجلس من أهل الدين والنظر في كيفية توليتهما جميعاً على إخوتهم القاصرين المذكورين، وأن يُضم إليهما ناظر أمين، وهو قريبهما الرجل المدعو الحاج محمد الثنيان الغانم، نظراً إلى تعدد المتولى عليهم، وكثرة حصصهم وأموالهم وانتشارها...". إذن، اعتمدت اللجنة، أو المجلس، تولية عبدالله وعبدالعزيز ابني حمد الصقر على الوصاية على القاصرين، وأضافت قريبهما الحاج محمد ثنيان الغانم لمساعدتهما في ذلك. واختتمت الوثيقة في نهايتها كل ذلك بالقول: "فرفع ذلك إلى حضرة الحاكم المطاع، فأحاله إلى المحكمة الشرعية، فأقرَّت ذلك، وأثبتته ثبوتاً شرعياً، واعتبرت عبدالله وعبدالعزيز، ابني الحاج حمد بن عبدالله الصقر، رشيدين، وأنهما جميعاً وصيان على إخوتهم القاصرين، وأن الحاج محمد الثنيان ناظر عليهما في تصرفهما في جميع أموال القاصرين من إخوتهما الذكور والإناث، وأنهما لا يتصرفان مجتمعين ولا منفردين إلا بمراجعته وموافقته، لكمال نظره وأمانته...". هذه وثيقة من وثائق الكويت الجميلة التي تؤكد رُقي وسمو أهل الكويت وأسلوب تعاملهم الأمين والشرعي مع معاملاتهم وأمورهم، ففيها عبرة كبيرة لتعاون الحاكم والمحكوم، والأهل والأقرباء، وشيوخ الدين والحكماء، لما فيه الخير والعدالة والمحافظة على أموال الناس وحقوقهم، وإلى وثائق أخرى في المقالات المقبلة إن شاء الله تعالى.